كيف نرى فوز زهران ممداني وماذا نتوقع؟

إبراهيم المدهون

كاتب ومحلل سياسي

بقلم/ إبراهيم المدهون


فاز زهران ممداني، وكسر قواعد وُصفت بالأبدية، هو مرشح أعلن تأييده للقضية الفلسطينية بصراحة، فلم تستطع آلة التشهير الصهيونية أن تهزه، أعلن مسلميته مفتخراً بإيمانه، فلم تهتز شوكته أمام محاولات استهدافه، قال بصراحة إنه اشتراكي، ومعارض لشكل من أشكال الرأسمالية التي تُهمّش الناس، لكن المال وإمبراطوريات النفوذ لم تتمكن من إسكات صوته.

شاب ذكي، ضاحك، لم ينفق ملايين في حملته، بل أنفق صدقَه وروحه، وهذا ما صنع الفارق: صدقٌ جذب ناخبين بحثوا عن مصداقية لا عن لوحات إعلانية.

نحن، كفلسطينيين، فرِحنا لأن ممداني لم يكن مجرد صوتٍ انتخابي. كان موقفه واضحًا: دعمٌ لشعب يواجه القتل، تنظيم مسيرات واعتصامات من أجل وقف الحرب، ووقوف مبدئي مع العدالة الإنسانية.

وفي الوقت ذاته حافظ على ولائه لبلده ولسياسته داخل الولايات المتحدة، لم يقدّم الولاء الخارجي على واجبه كممثل للشعب الأمريكي، لهذا كانت جلّ دعايته الانتخابية تخاطب ابن مدينة نيويورك: تحدث عن المواصلات وإيجار البيوت وكيف يمكن أن يوفر على أبناء نيويورك ويحدّ من الغلاء، فصحيح أنه داعم للقضية الفلسطينية وربما جزء ممن انتخبوه جاءتهم مواقف إنسانية داعمة للقضية، لكن نجاحه بسبب حضوره ونشاطه وأفكاره والتصاقه بهموم مدينته.

لا نرفع سقف التوقعات، ولا نطالبه بأن يفعل شيئًا لنا فقط؛ يكفينا الآن موقف الأخلاق من الإبادة التي تتعرض لها غزة وأن يذكرنا دائماً ويذكّر العالم بمأساة غزة، لا ننسى أن والده كان صديقًا للفلسطيني الأمريكي المفكر إدوارد سعيد، وهذا يؤكد أنه تشبع معنى أن تكون فلسطينياً مظلوماً في هذا العالم.

من هنا فإن فوزه يؤكد أمراً مهمًا: يمكن أن يتغيّر الداخل الأميركي.

جيلاً جديدًا لا يعترف بالوصفة القديمة التي تساوي الوطنية بالتماهي غير المشروط مع سياسات تل أبيب، هذا الجيل قابل لأن يدعم حق شعبنا في الحرية والكرامة، فلم يقتصر الأمر عند زهران؛ انظروا إلى الجيل الشاب في الحزبين الديمقراطي والجمهوري: إلى أين تتجه المواقف من إسرائيل، وما هي الأسئلة التي تُطرح الآن خصوصًا بعد الإبادة والإجرام الإسرائيلي الذي فاق كل تصور؟ انظروا إلى جيل Z الذي يتشرب الآن القضية الفلسطينية وينتمي إليها ويشعر بمظلومية شعبنا.

وهذا يجعلنا أمام فرصة وتحدٍ في الوقت ذاته؛ فعلينا نحن أن نعمل. لا يكفي الفرح؛ بل لا بدّ من تعبئة فكرية، توعية، وربط بين قضيتنا والقيم التي يفهمها الأمريكي الجديد: العدالة، الكرامة، وحقوق الإنسان. هناك نقاط التقاء مع قطاعات أميركية واسعة وهذا ما يجب بناؤه بعقلانية وصبر.

فوز زهران، في عمدة أكبر مدينة أميركية، وفي قلب مركز اللوبي الصهيوني، يوجّه رسالة قوية: شعبنا مظلوم، وجريمة إبادة غزة لن تمرّ دون ثمن سياسي وأخلاقي. هذا الانتصار ليس نهاية الطريق، لكنه بداية لمرحلة جديدة يجب أن نستثمرها بحكمة وواقعية.

وبعد فوزه، من المتوقع أن ينتبه اللوبي الصهيوني ويعمل على إقصاء واستهداف النُّخب الأمريكية الصادقة مع ذاتها، النُّخب المنتمية لقيمها والتي لا تنكسر أمام الحوت الجسدي الرأسمالي المتوحش الداعم للصهيونية المجرمة، التي سفكت دماء غزة أمام مرأى ومسمع العالم، وهذه معركة جديدة تُفتح الآن على مصراعيها، ونحتاجها نحن الفلسطينيين وكأحرار وإنسانيين أن نعمل ليس فقط في الولايات المتحدة الأميركية، بل في العالم أجمع، لنقول: فلسطين تنتصر أخلاقيًا وقيميًا واستراتيجيًا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025