أردوغان قلق إسرائيل المستمر...

القناة 12

أردوغان يستغل ضعف نتنياهو لصالحه
في الوقت الذي تجدد فيه الحكومة الإسرائيلية الصراع وتختار إشعال البلاد من جديد، يبني أردوغان تحت أنوفنا محورًا إرهابيًا بدعم من الولايات المتحدة. فالتوجيه الفاشل لنتنياهو في الحرب أوصلنا إلى وضع عبثي – لم تعد لدينا أي وسيلة سياسية لمواجهته.
رأي بقلم اللواء احتياط إسرائيل زيف 

تشبه الأوضاع اليوم إلى حد كبير ما جرى في السادس من أكتوبر 2023، إذ تعود حكومة نتنياهو لإشعال الدولة بكل قوتها وتعيد إطلاق “الانقلاب القضائي”. وذلك في وقت يحاول فيه الجمهور المنهك من الحرب العودة إلى حياة طبيعية بعد استعادة الأسرى ومعظم القتلى. مجددًا، يوجّه نتنياهو انتباه الجمهور إلى الداخل، بينما في الخارج، وتحت الرادار، يحدث في حرب غزة غير المنتهية تحول سلبي للغاية لأمن إسرائيل. فغزة تنحدر بخطوة واسعة من “الانتصار الكامل” إلى “الفشل الكامل”.

لفهم ما يجري خلف الكواليس في غزة، يجب النظر إلى ما يحدث في سوريا. فنتائج الحرب الطويلة على كل الجبهات أضعفت المحور الشيعي بشدة: أُصيب حزب الله، وتضرّر رأس الأفعى الإيراني، وكذلك الحوثيون. هذه الضربات أضعفت المحور كثيرًا لكنها لم تحطمه بالكامل، ولم تؤمن سياسيًا نتائج الانتصارات العسكرية.

لكن الضربة الأهم كانت انهيار نظام الأسد في سوريا، وهو انهيار غير مباشر، لكنه حطم الاتصال الجغرافي الحيوي للمحور الشيعي من طهران إلى بيروت.
من استغل الموقف بسرعة هو أردوغان، الذي كان وراء الثورة في سوريا، وبدعم كامل من ترامب يُعيد الآن تشكيل “سوريا الجديدة” — لا كدولة قوية مستقلة، بل كدولة تابعة لمصالحه. فقد بدأت تركيا ببناء ميليشيات داعشية كبيرة بوتيرة متسارعة. ووفق تقارير ميدانية، هناك بالفعل ميليشيتان، كل واحدة تضم أكثر من 40 ألف مقاتل، مع نية لتشكيل المزيد.

هدف هذه الميليشيات، إلى جانب السيطرة على الأرض والطوائف داخل سوريا، هو منع عودة النفوذ الشيعي الإيراني، ومواجهة الأكراد وقتالهم وحتى القضاء عليهم دون اتهام تركيا مباشرة بذلك. والهدف الإضافي هو تشكيل تهديد خطير على إسرائيل من حدودها الشمالية. وقد توقفت الهجمات على الدروز لتجنّب استفزاز إسرائيل، التي هي حاليًا خارج الصورة. أما “خط بر-ليف” المكوّن من بضع نقاط مراقبة هناك والذي يتفاخر به وزير الدفاع، فهو بلا تأثير حقيقي على ما يجري فعليًا في سوريا.

الذي استغل مجددًا الخطأ الإسرائيلي في قصف الدوحة – وهو ما منح قطر هدية لم تكن تحلم بها على شكل اتفاق دفاعي تطالب السعودية الآن بمثله – هو أردوغان مرة أخرى. فبحنكته السياسية الخطيرة وبقربه من ترامب، استغل الحدث جيدًا. محاطًا بقادة الدول العربية، أقنع الرئيس الأمريكي بوقف “جنون” نتنياهو، بإنهاء الحرب قسرًا، وإجبار نتنياهو على تقديم اعتذار علني لقطر.

نتنياهو، الذي أُوقفت حربه في منتصف الطريق، ومع “إنجاز” إعادة الأسرى الذي لم يرده أصلًا، تمسّك بإنجاز رمزي جديد يتمثل في أن “إسرائيل تسيطر على نصف القطاع”. لكن هذا إنجاز بلا قيمة، يُقدّم كبديل لـ“النصر الكامل”. لذلك لا يريد نتنياهو أي تقدم نحو المرحلة الثانية التي سيتعين عليه فيها التنازل عن “القطعة المقدسة من غزة”. والنتيجة: عودة غزة القديمة ولكن في وضع أسوأ مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023.

أردوغان، مهندس الاتفاق، لا يريد حماس في غزة. بل يريد ميليشيا داعشية فيها، مثلما في سوريا، ولكن بقدرات أكبر من “حماس التندر والصنادل”. داعش لن يشكل تهديدًا أكبر لإسرائيل فحسب، بل أيضًا لمصر، وبذلك يحقق أردوغان نفوذًا إقليميًا أوسع. فتركيا لن تكون إيران جديدة في المنطقة فحسب، بل أقوى منها بكثير: زعيمة المحور السني المتطرف، ومحمية بمظلة أمريكية لم تكن لإيران، تمتلك مقاتلات F-35 وأنظمة تسليح لم تكن لطهران، ما سيمنع إسرائيل من تكرار ما فعلته بإيران ضد تركيا.

المشكلة الآن بالنسبة لإسرائيل ليست تعافي حزب الله البطيء أو امتلاكه المزيد من الصواريخ القصيرة المدى، بل المحور السني المتطرف الذي تقوده تركيا ويعيد تشكيل المنطقة. بينما أصبح نتنياهو دمية بلا تأثير إقليمي، تعتمد بالكامل على خيط ترامب، تتصدر تركيا والسعودية المشهد الإقليمي بمصالح اقتصادية وتجارية مشتركة. مكانة إسرائيل تتراجع إلى الهامش، ونتنياهو المعزول والمرفوض من قادة المنطقة والعالم، لم يعد قادرًا حتى على التغريد.

من سيسيطر على غزة سيتحدد في المنافسة على القرب من ترامب بين محمد بن سلمان من السعودية وأردوغان. أما إسرائيل، التي يفترض أن يكون أمنها مرتبطًا بالمحور السعودي–المصري–الأردني–الفلسطيني، فهي عاجزة عن التأثير بسبب ضعف نتنياهو السياسي في الداخل والخارج.

حقًا، يُعاد تشكيل شرق أوسط جديد من حولنا، لكنه أسوأ بكثير لإسرائيل، التي قد تكون انتصرت في المعركة لكنها خسرت الحرب السياسية الكبرى.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025