لحظة الحقيقة الفلسطينية - بعد التطبيع بين إسرائيل والإمارات
يوحنان زوريف، يورام شفايتزر
العدد 1383
10-9-2020
معهد أبحاث الأمن القومي
ترجمة حضارات
ما الذي يعبر عنه الإعلان المشترك في ختام التجمع التاريخي لجميع الفصائل الفلسطينية، تعاون في إطار محاربة خطة ترامب وملحقاتها، تجمع حول العلم أو البحث عن طرق جديدة لمواجهة الإخفاقات الماضية؟
أدى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات إلى تفاقم محنة الفلسطينيين ودفعهم إلى معالجة مسألة إلى أين يتجهون.
عقد بعدها مؤتمر الفصائل في 3 أيلول (سبتمبر) في رام الله وبيروت في ذات الوقت، وحضرته جميع الفصائل الفلسطينية، تعبيرًا عن جدية وثقل التحدي الذي يمثله هذا التطور. واتفق الجميع في البيان الختامي على ضرورة الكفاح المشترك لإفشال المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية من خلال "المقاومة الشعبية"، رغم أن قادة حماس والجهاد الإسلامي في المؤتمر نفسه أعربوا عن تفضيلهم للمقاومة العسكرية وعدم الاعتراف بإسرائيل وعدم الرغبة في التسوية معها.
في الواقع، برزت محاولة التقليل من أهمية الانقسامات بين الفصائل والتعبير عن التقارب (وإن لم يكن بالضرورة الوحدة) بين فتح وحماس. في رام الله وبيروت، عُقد مؤتمر واسع النطاق في 3 سبتمبر(عبر الفيديو) برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، شاركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية. كان هدف الاجتماع الذي قادته كل من فتح وحماس، بحث سبل مواجهة الكارثة الكبيرة التي واجهتهم بإعلان الرئيس دونالد ترامب عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وتحقيقها السريع والمعلن عنه، بما في ذلك الزيارات التي جرت، وتوقيع الاتفاقيات وتحديد موعد حفل التوقيع. ويهدف المؤتمر إلى إيضاح أبعاد التحدي للجمهور الفلسطيني وخلق مظهر السعي من أجل الوحدة لمواجهة التحدي الصعب.
وكان المؤتمر الأول الذي تحضره جميع الفصائل الفلسطينية وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وغير الأعضاء في المنظمة دون وساطة عربية، جلس في بيروت كل من: اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وزياد نحالة الأمين العام للجهاد الإسلامي وجميع الفصائل الممنوع دخولهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وفي رام الله كان أعضاء حركة فتح ومنهم أبو مازن وممثلون عن فصائل أخرى مسموح بوجودها في رام الله. كما حضر المؤتمر محمد بركة، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق. وعرّف جميع المتحدثين المؤتمر بأنه تاريخي، لما وصف بأنه تحول سياسي كبير في القضية الفلسطينية، وطالب خلاله الجميع بالوحدة والمصالحة. * وتميز المؤتمر برفض كاسح لإعلان التطبيع بين إسرائيل والإمارات وغضب من الإمارات لخروجها عن الإجماع العربي وإفراغ المبادرة العربية من محتواها. ووصف المتحدثون في المؤتمر الخطوة بأنها طعنة بالسكين في الظهر وأعربوا عن غضبهم بشكل خاص من الزعم الاماراتي القائل بأن الخطوة اتخذت مقابل إلغاء نية إسرائيل ضم مناطق في الضفة الغربية. علاوة على ذلك، اعتقد معظمهم أن خطة الضم لم يتم إلغاؤها، لكنها أُجلت، كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا، حتى بعد إعلان عن عملية التطبيع. كما تم الإعراب عن القلق بشأن خطوة الإمارات، بحيث تحذو دول عربية أخرى حذوها وتتصرف نيابة عن الفلسطينيين. وبالتالي، قد يفقدون استقلالية القرار، وهو مبدأ أساسي لوجود منظمة التحرير الفلسطينية، وقد احتلت هذه القضية مكانة مركزية خلال المؤتمر وأيضاً في البيان الختامي الذي صدر في ختام المؤتمر.
في المؤتمر نفسه، وعلى الرغم من التباين في المواقف التي طرحها قادة فتح وحماس إلا أنه كان هناك اعتراف متبادل من جانب هاتين المنظمتين الكبيرتين بجدية اللحظة وضرورة إيصال رسالة مشتركة إلى الجمهور الفلسطيني، الذي انتقدهما كثيرًا في السنوات الأخيرة. أكد كل من هنية وأبو مازن أن عقد المؤتمر كان نتيجة قرارٍ مشترك لكل من فتح وحماس. قال هنية: "لقد دخلنا الآن في حوار جاد مع فتح"، رغم أنه أكد على الموقف التقليدي الصارم لمنظمته بالكفاح المسلح، لكنه أعلن أيضًا أنه يوافق على اقتراح أبو مازن بإنشاء قيادة مشتركة تؤدي إلى مقاومة شعبية سلمية. جاء ذلك أيضا في الإعلان الختامي للمؤتمر. بالإضافة إلى ذلك، تضمن الإعلان الاعتراف الفعلي بأبو مازن كمصدر سلطة لأنشطة اللجان التي سيتم تشكيلها بعد المؤتمر. وهذا يتناقض مع النقد وتضاؤل مكانته في عيون الشارع. وظهر تعزيز الأقوال أيضا في ظهور اسماعيل هنية على قناة فلسطين في رام الله غداة المؤتمر. وخلال المقابلة، واصل هنية الإشادة بأبو مازن، وكذلك زيارة وفد وزارة الصحة في اليوم التالي للمؤتمر برئاسة وزيرة الصحة مي كيلة، إلى قطاع غزة، لفحص الأوضاع في المنطقة بسبب كثرة مرضى كورونا.
حتى حركة الجهاد الإسلامي، التي سارعت إلى إبداء تحفظات على الإعلان النهائي للمؤتمر، حيث قال محمد الهندي، العضو البارز في التنظيم:" السلطة الفلسطينية مقتنعة تماماً بفشل طريق المفاوضات، وأضاف أن منظمته ستعمل على إنجاح أعمال اللجان التي أعلن عن إنشائها. موقف حركة الجهاد الإسلامي من قضية حدود 67 معروف جيدا، حيث تدعو المنظمة إلى تحرير جميع الأراضي الفلسطينية، لكن هذا الموقف في الوقت الحاضر يقوض فرص نجاح المؤتمر. لذلك، "يجب تحمل المسؤولية في هذا الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال القضاء على القضية الفلسطينية".
مع ذلك فإن البيان الختامي للمؤتمر أزعج المسؤولين في فصائل "المقاومة"، الذين يعتقدون أن الرسالة التي تنبثق عنه بشأن استمرار مقاومة إسرائيل معتدلة للغاية. كان في قلب النقد، تركيز الرسالة على المقاومة الشعبية بدون الكفاح المسلح، كذلك تقديم إنهاء الاحتلال والدولة الفلسطينية على حدود عام 67 في الإعلان كهدف استراتيجي وليس كمرحلة لتحرير فلسطين بأكملها. بمعنى آخر: التزامات منظمة التحرير الفلسطينية تجاه إسرائيل، كما وردت في اتفاقيات أوسلو، تظل سارية.
في الإعلان لم يذكر سحب الاعتراف بإسرائيل، ولا خطوات جدية باتجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية، مثل الانتخابات وتجديد القيادة. كل هذا من وجهة نظر فصائل المقاومة، يدلل أنه لم يحدث أي تغيير حقيقي ولم يتم صياغة استراتيجية جديدة.
وتعبيراً عن النقد كان البيان الذي أصدرته فصائل "المقاومة" في قطاع غزة في 6 سبتمبر، حيث رحبت فيه باجتماع بيروت ورام الله، لكنها أعلنت عن وجوب اتخاذ خطوات عملية على الأرض، أي صياغة خطة وطنية موحدة للتحرر من قيود أوسلو والتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها. كما طالبت منظمة التحرير الفلسطينية بسحب اعترافها بإسرائيل وأن ترفع السلطة الفلسطينية عقوباتها عن قطاع غزة، فتطبيع العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لا يعكس إرادة ووعي الأمة العربية، وبالتالي تلتزم بنشاط شعبي عربي وإسلامي لإدانة من يقوم بالتطبيع مع اسرائيل ومن بينهم رجال الدين - "شيوخ البلاط" - الذين دعموا هذا التطور على أساس أحكام الشريعة.
في الوقت نفسه، عبّر الإعلان المشترك بين حركتي فتح وحماس في ختام المؤتمر عن الفخ الذي وقع فيه الفلسطينيون، لا سيما منذ أن بدأت إدارة ترامب في دفع مخطط السلام الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأمام، فمن جهة انتهت العملية السياسية كما حددتها اتفاقيات أوسلو. في المقابل، لم تسفر المقاومة المسلحة بقيادة حماس وباقي التنظيمات المعارضة لفتح عن نتائج على صعيد التقدم نحو التحرير والاستقلال الفلسطيني.
بعبارة أخرى، فإن المسار الذي أوصلت إليه خطة ترامب الفلسطينيين كان مسدودًا منذ البداية حيث تركت الأرض محروقة. من وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية، كان من المفترض أن ترقى عملية أوسلو إلى مستوى إقامة دولة مستقلة، وفي رأي حماس - كانت هذه العملية حقيقة ثابتة. لم يخطر ببال أحد أن يأتي نظام أمريكي جديد ويقف إلى جانب إسرائيل ويكون غير عادياً في الطريقة التي يتصرف بها، والتي من شأنها تغيير قواعد اللعبة التي كانت تمارسها الإدارات الأمريكية السابقة بشكل جذري
على خلفية هذه الأحداث، تصاعدت التوترات بين المنظمات، واشتد الانتقاد الداخلي للسلطة الفلسطينية، وظهرت توترات بين السلطة الفلسطينية والدول العربية التي لها علاقات بإدارة ترامب وتتعرض لضغوط منها، وتضررت العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بشدة. والنتيجة هي المزيد من إضعاف موقف السلطة الفلسطينية على الساحة المحلية والإقليمية على حد سواء - وهو اتجاه يزيد من خطر انهيارها.
بسبب الضيق والغضب على الإمارات العربية المتحدة (التي خفت قليلاً في الأيام الأخيرة)، يواجه الفلسطينيون صعوبة، أيضاً هذه المرة، في النظر إلى النصف الممتلئ من الكوب. وهم لا يعزون الأهمية المطلوبة لحقيقة أن تعليق الضم كان مفروضًا بالفعل على الحكومة الإسرائيلية، وأن معارضتهم للضم لعبت دورًا مهمًا في الضغط الذي مورس عليها. إنهم يتجاهلون حقيقة أن نية الضم قد أثارت معارضة حتى بين مؤيدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المقربين، وكذلك الرؤية التي نضجت لدى الإدارة الأمريكية مؤخرًا، والتي تفيد بأن اهتمام إسرائيل الأساسي في الخطوط العريضة للاتفاق الذي قدمته إدارة ترامب هو ضم مناطق في الضفة الغربية، وليس في الخطة نفسها- بما في ذلك هدف إقامة دولة فلسطينية. أيضاً حقيقة أن الدول العربية التي وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل تؤثر عليها أكثر من غيرها لم تجد اهتماما في نظام الاعتبارات لديهم. بعد كل شيء، قد يؤدي انضمام الإمارات الى هذه المجموعة إلى زيادة الضغط عليها، ولصالحهم. وبالتالي فإن الإعلان الختامي للمؤتمر يعكس محاولة لملمة الجراح وتجميع القوى ، وفي هذا السياق أيضًا محاولة للتقريب بين فتح وحماس. ومع ذلك، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت هذه النوايا ستتحقق، لا سيما في ظل معارضة الاتفاقات التي تسمعها في صفوف المنظمات نفسها. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه تم بالفعل وضع الأساس لها في مايو 2017 مع نشر برنامج حماس السياسي الجديد: تقبل حماس مبدأ الدولة الفلسطينية على خطوط 1967، على الرغم من أنها فقط إملاءات للإجماع الفلسطيني وفي جميع الأحوال بدون اعتراف بإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، وافقت حماس على الخضوع لقيادة متفق عليها من جميع المنظمات، والتي ستقود معارضة إسرائيل وتحدد طبيعة النضال - عنيفًا أم غير ذلك.
وستعمل إسرائيل بشكل أفضل إذا لم تتوقف على أمجاد التطبيع التي تتبلور مع الإمارات العربية المتحدة، لكنها ستدرك أن القضية الفلسطينية وموقف الفلسطينيين لا يمكن إلغاؤها. وعليها أن تلتمس أكبر قدر ممكن من المساعدة من مصر والأردن اللتين أبرمت معها اتفاقيات سلام، من أجل إبراز إمكانات الفرص الكامنة في التطبيع بينها وبين الإمارات العربية المتحدة للفلسطينيين أيضًا، واستخدامها لتحفيزهم على الانخراط في عملية سياسية متجددة. في الوقت نفسه، يجب على الفلسطينيين أن يستوعبوا النتيجة التي تنشأ عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والتي بموجبها لن تنتظر الدول العربية بالضرورة طويلاً للتوصل إلى اتفاق بينهم وبين إسرائيل. يجب عليهم فحص إمكانية تجديد العملية السياسية مع إسرائيل.