بقلم:
الأسير الكاتب/
إسلام حسن حامد
قد تكون المسافة الطولية بين زوايا الجغرافيا المذكورة معلومة للجميع، لكن الغوص في ثنايا التاريخ المتباين والخلاف الجذري بين الجموع البشري الأصلاني في المنطقة العربية مع الدخيل الشاذ، غير المرغوب فيه، والذي اقتحم البلاد العربية ضمن الفعل الاستعماري الأوروبي، بشكله الجديد، المنتمي لجماعة بشرية خلقت بحسب الطلب، وصيغت لتكون المستجمع البشري الصهيوني ذات التراكيب المعقدة، المختلفة والمتباينة، بإطار وظيفي كينوني، يقوم بكل ما هو مطلوب منه، كإعادة تكوين المنطقة بما يتناسب مع العقل الغربي ورغباته الاستعمارية.
عناوين عدة يمكن كتابتها في وصف الفعل الاستعماري الإحلالي، منها ما تصدر المشهد العام، كالحروب العربية المضبوطة على المقاس مع الكيان الصهيوني وصولًا إلى حالة السلام، بدءًا من مصر كامب ديفيد، إلى أوسلو عرفات، ثم وادي عربة الأردن، وليس آخرًا التطبيع الإبراهيمي، الانفصالي عن كل ما تمثله الأمة العربية والإسلامية.
المشهدية التي يتم الترويج لها اليوم من قبل الأطراف المستنفعة، كل من الآخر، الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة والسعودية، عملية التطبيع السعودي -الصهيوني-.
باعتبارها أحد المفاعيل السياسية التي تقوم بها أمريكا بايدن قبل نهاية ولايته الرئاسية الحالية، حيث يمكن تسجيلها كأحد أهم الإنجازات التي تصب في صالح الحزب الديموقراطي الحاكم، في مواجهة غريمه الجمهوري في الانتخابات القادمة.
جزء من هذه المشهدية يقدمها ولي العهد السعودي ابن سلمان، برؤوس الأقلام، وجمل عمومية، ومن توضيح المقصد المباشر، كقوله مؤخرًا: -كل يوم يمر علينا يقربنا من التطبيع- وهنا مع الاستعمار الصهيوني طبعًا.
في حين يسعى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بكل جهد، لأن يصل وعلى عجل، لاتفاق مع المملكة السعودية، تشبتًا لقناعاته الراسخة حول تقريب السعودية من الكيان الصهيوني يجعلها حليفًا قويًا أمام الخطر الإيراني المتعاظم.
وعلى المنصة الدولية ومن منبر الأمم المتحدة، قدم نتنياهو خريطتين، لكل واحدة منها لها بعدًا استعماري خاص يمكن قراءته وتحليله.
فالأولى: يقدم الشكل الجغرافي للكيان الصهيوني عشية معارك النكبة وتمثل فلسطين التاريخية بحدودها الانتدابية المعروفة، دون وجود للضفة الغربية وقطاع غزة، ومع أن الصورة لم تكن كذلك في حينه إلا أن هذا ما قدمه رئيس وزراء الكيان الصهيوني خلال إلقائه كلمته أمام العالم.
عبارات من نوع المحو، الإلغاء، الإحلال، لم تذكر، لكن الخطاب والتصاوير اللغوية والورقية كانت مليئة بهذه الكلمات.
فتقديم صورة الكيان الصهيوني وبخارطة تشمل جغرافيا الانتداب البريطاني، واعتبارها منذ عام 1948 تمثل خارطة الكيان الصهيوني، -وهنا لم يكن حاصلًا في حينه-، أبرز الدليل على فكرة إلغاء الشعب الفلسطيني وحقوقه الأصلية أو حتى الجزئية، كما هو اليوم على بقايا حدود الضفة الغربية وقطاع غزة يؤكد ما ذهبنا إليه من فكرة الإلغاء والمحو المتحكمة في العقل الصهيوني وعلى رأسه نتنياهو.
كما أن الخطاب يقدم في ثناياه الكثير من كلام السلام المعسول، إلا أن الحاصل على الخارطة أو في الميدان يؤكد خلاف ذلك، فأي سلام في المنطقة دون أن يكون للفلسطيني بقعة ضوء على خريطة نتنياهو الاستعمارية.
وأيضًا لماذا يجب على الفلسطيني أن يعترف بحق الجماعة اليهودية في الأرض الفلسطينية التي في ظن نتنياهو الأرض التاريخية للجماعة اليهودية، في حين أن الاعترافات السياسية بين الدول تتم على شكل الدولة موافقتها للمعايير الأممية وليس على مضمون الدولة الديني أو التاريخي وحتى الأيديولوجي.
هذا واستطرد نتنياهو في كلامه عن السلام المقبول عليه وما يمثله ليطرح شرطًا جديدًا في ذاته يطابق قوانين الابرتهايد العنصرية أو ما حصل مع الجماعة اليهودية بداية الحكم النازي عندما تم إقرار قوانين نورمبرتج المتطرفة اتجاه اليهود الألمان، حيث اعتبر نتنياهو أن الفلسطينيين هم في الأساس جزءًا من مسار السلام مع العرب، لكن لا يعني ذلك أن يمتلكوا حق الفيمتو أي حتى الاعتراض على الاحتلال، كون ذلك يقود إلى تصنيف الشعب الفلسطيني كجماعة سياسية لها هوية تمثلها لها حق القبول أو الاعتراض، وهذا من غير المقبول على نتنياهو وتحالفه، الذي يتوافق مع الأفكار المشوهة للصهيوني زئيف جابوتنسكي الذي اعتبر الفلسطينيين كأشياء لهم حق الحياة دون أن يكون لهم حق التمثيل والمصير.
البديل عند نتنياهو هو تحسين شروط الحياة ضمن معادلة الاقتصار والأمن فيها يربح الفلسطينيين اقتصاديًا ومستوى معيشته متقدم من عملية السلام، ويربح العدو الصهيوني الولاء الأمني من قبل القيادة الفلسطينية، المآدون سياسية، وتوفير الهدوء، والاستقرار للسياق الاستعماري الاستيطاني في الضفة الغربية الفلسطينية، ومحاربة التجمعات الفلسطينية المقاومة.
أما الثانية:
فهي خريطة للوطن العربي، تم تظليل عدة دول باللون الأخضر، وتمثل دول التطبيع والسلام العربي مه الكيان الصهيوني.
ما أراده نتنياهو من هذه الخريطة رسم خط باللون الأحمر يعبر عن طريق عابر للحدود والقارات، ويربط الأشكال الاقتصادية في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني بالقارة الأوروبية.
الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل يؤسس لعملية استنفاع متبادلة بين الدولة المعينة، تقطع الطريق على الحصور الصيني الروسي المتصاعد في المنطقة، عدا عن الإيراني الفارض لنفسه حضورًا إجباريًا في المحيط العربي وتوفر عمقًا استراتيجيًا للكيان الصهيوني، يقوم بدور خط الدفاع المتقدم عن جغرافيا الاستعمار على الأرض الفلسطينية.
الخاتمة:
الأمم المتحدة تقدم منصة دولية للخطاب والتنظير، وتعرض القضايا العالمية ووجهة نظر الدول فيها.
لكن خطاب الحقيقة، يأتي من تحديات الواقع وليس من فنون الكلام والتعبير، فلا يمكن تجاوز الأزمة الداخلية عندنا يتحدث نتنياهو عن الديموقراطية الصهيونية في داخل الكيان، ومسار التعديلات القضائية الذي يتوافق مع مجموع محدد من المستجمع الصهيوني دون باقي المشكلات الفكرية أو القطاعية.
ثم الحديث عن السلام دون سلام، لا يمكن تمريره على المجتمع الدولي، فحكومة يمينية عنصرية متطرفة تضم في جنباتها الوزيرين سموترتس وبن غفير ماذا ستقدم للفلسطينيين؟ مثلًا، هل ستخلي المستوطنات أو البعض منها في الضفة الفلسطينية.
ويضاف إلى ذلك الترويج لاختراقه في العلاقة مع السعودية العربية دون أن يحصل على اختراقه في العلاقة الداخلية بين مركبات الكيان الصهيوني.
وبالتالي هل من الصحيح الحديث عن السلام مع السعودية وبافتخار، والوضع الداخلي في الكيان يتجه نحو حرب إخوة، أو بين المواطنين؟
كما أن الرهان على خلق عدو خارجي، كالتهديد الوجودي الإيراني، وتقديمه كأداة توحيد وربط بين مركبات المستجمع الصهيوني المتهالكة، يمكن تمريره على المعارضة المتعاظمة في الكيان والتي تطالب بالاهتمام بالخطر الداخلي كصعود خطاب التطرف والدكتاتورية على الاهتمام بالخطر الإيراني أو غيره.
هذا ويشغل مفكري الكيان الصهيوني تساؤل حول مخرجات العلاقة مع السعودية العربية، في حال عقد اتفاق سلام معها، من نوع، هل ستتحمل دولة الكيان الصهيوني الجسر الجوي من المسلمين الذي سيسعون للصلاة في المسجد الأقصى والإقامة فيه خلال المناسبات الكثيرة وعلى رأسها شهر رمضان المبارك على سبيل المثال؟
وما هي مؤثرات علاقة السلام بين الأطراف اتجاه تعزيز صمود الفلسطينيين في الداخل المحتل، القدس، الضفة الغربية، وقطاع غزة؟
من الناحية الشكلية فإن السلام مع السعودية سيجلب الكثير من البركات المالية، إلا أنه من الناحية الاستراتيجية يكشف الداخل الصهيوني ويعرضه للمزيد من الاختراق، والضعف بما يخدم مصالح أعداء الكيان.
ومع عدم القدرة على وقف مسار كهذا، إلا أننا هنا نؤكد على الواجب الملقى على اتباع محور المقاومة من التخطيط الجيد للكيفيات التي يمكن من خلالها الاستفادة بشكل عكسي من طبيعة واللحظات الخطيرة على الأمة العربية والإسلامية وتحويلها لصالح نهضة الأمة وعودتها إلى سابق عهدها؛ لذلك هل الطريق صعب بين تل أبيب ومكة؟