إمارة الخليل بين الواقع والتهويل

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: الموقف:

بدأ العدو منذ عدة أشهر بالحديث حول إقامة إمارة، أو إمارات في الضفة الغربية، تضم عيلاً وعشائر، يتعامل معها منفردة، دون أن ينظمها ناظم كلي يعنى بالشأن الفلسطيني العام، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ما حاول فعله عام 1978 عندما أنشأ ما يعرف في حينه بــ "روابط القرى"، زاعماً في حينه أن الهدف من هذا التشكيل الإداري والاجتماعي هو: تنمية المجتمع الفلسطيني، وتقديم الخدمات له!. إلّا أن الفارق هذه المرة هو: الحديث عن إمارات تضم محافظات ذات طابع عشائري، وليست قرى أو خِرَباً صغيرة، مقدماً إلى واجهة الحديث محاظفة الخليل، والتي تعد أكبر محافظات الضفة الغربية، حيث تبلغ مساحتها 997 كم مربع، أي ما يعادل 16% من كامل مساحة الضفة الغربية المحتلة. مستفيداً ـــ العدو ـــ من التكوين الديموغرافي ذو الطابع العشائري لهذه المحافظة. زاعماً أن عوائل وعشائر تتوصل معه بهذا الشأن، طالبة منه العون والمدد لإنجاز هذا الأمر، والخروج من الدوامة البيروقراطية لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، القائمة على المحسبويات، والفساد، فضلاً عن أن بناء هذا النمط من العلاقة بين المحتل وهذه العشائر؛ سوف يحول دون العدو وتدميره للأصول المجتمعية والخدمية والشخصية المنتشرة في هذه المدينة، على غرار ما حصل في مدن شمال فلسطين التي (حرثها) العدو حرثاً، وأحال حياة المواطنين فيها إلى مأساة. إن تقدير الموقف هذا سوف يحاول (فكفكة) ما نحن في صدده، لفهم خلفياته، وما يمكن أن يؤول وينتهي له الموقف، ليبنى على الشيء مقتضاه. 

ثانياً: أهداف العدو: 

  1. القضاء على فكرة حل الدولتين، والذي يرى فيها العدو تهديداً ديموغرافياً، سينتج عنه تهديداً أمنياً، ولو على المدى البعيد. 
  2. القضاء على فكرة حل الدولة الواحدة، والذي يرى فيه العدو تهديداً سياسياً، سوف يفضي على تغيير شكل الكيان المؤقت، في حال تطبيقه، كما حصل في دولة جنوب أفريقيا. 
  3. تفكيك المجتمع الفلسطيني، ليسهل التعامل معه، واللعب على تناقضاته. 
  4. إضفاء (مصداقية) على ما يروجه العدو من أن المجتمع الفلسطيني لم يبلغ حد (البلوغ) السياسي، شكلاً ومضموناً، ليكون على شاكلة وحدة سياسية مستقلة بذاتها، كتلك المتعارف عليها دولياً وإقليميا.
  5. تشكيل بنى مجتمعية وأمنية وإدارية، تقوم بالمهام السياسية والأمنية والعسكرية الــ(القذرة)، نيابة عن المحتل. 

ثالثاً: التهديدات والفرص فيما يعني العدو:

إن فكرة إنشاء مثل هذه الهياكل السياسية، لتكون بديلاً مقبولاً لتعاطي المحتل مع الشعب الفلسطيني في مدن وقرى الضفة الغربية، يكتنف في ذاته تهديدات وفرصاً للعدو، سيحاول تجنب الأولى، واغتنام الثانية. حيث تشكل ضرورة تسليح هذه العشائر بالخفيف من الأسلحة، ومتطلبات الحماية الذاتية، أهم تهديد للعدو، كون هذا السلاح قد يستخدم ضده، ويرتد عليه في يوم من الأيام. أما عن الفرص التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا الأمر؛ فهي كثيرة، من أهمها: 

  1. تفتيت بنية المجتمع الفلسطيني. 
  2. إحياء ثارات قديمة، وعادات ذابت واندرست.
  3. إنتاج عداوات جديدة، ناتجة عن طبيعة إدارة المجتمعات، وما يصاحبها من مشاكل إدارية وسياسية وأمنية. 
  4. اللعب على تنقضات العوائل والعشائر، واستخدام بعضها في وجه البعض الآخر. 
  5. تنفيذ مهام الاحتلال القذرة، من قبيل عمليات اغتيال المقاومين والنشطاء، تدمير أصول المقاومة المادية، بناء شبكات معلومات بشرية أكثر إنتاجية وفاعلية، فضلاً عن اسقاط الشرعية عن مقاومة المحتل. 
  6. فرض حقائق جغرافية، ناتجة عن تقسيم وتقاسم مناطق (النفوذ) والسيطرة العشائرية والقبلية، وما ينتج عن هذا الأمر من مشاكل وتحديدات داخلية، ستُستغل في تمتين قبضة المحتل على الأرض والشعب. 

رابعاً: التهديدات فيما يعني الشأن الفلسطيني: 

لا تكاد توجد فرصة واحدة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، يمكن استغلالها من مثل هذا التوجه المعادي في حال المضي به، حيث أن كل ما قيل من فرص للعدو في الفقرة السابقة، سوف يكون حكماً تهديداً لأهلنا تحت الاحتلال، وعلى كل الصُعد؛ السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية. 

خامساً: متطلبات التحقيق: 

إن تمرير مثل هذا المشروع، يحتاج إلى متطلبات، ومقدمات سياسية وإجتماعية، على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي، من أهمها: 

  1. قبول دولي وإقليمي ومحلي لمثل هذه الفكرة؛ يمكن توفيره ــ القبول ـــ في البعد الأول الدولي، وإلى حد ما في البعد الثاني الإقليمي، على قاعدة: نرضى بما يرضى به الفلسطينيون، إلّا أن الصعوبة في تأمينه في البعد الداخلي والمحلي، تكاد تكون أكبر وأكثر إشكالية. 
  2. رجوح المصلحة الكلية، على التهديد الكلي، لدى صاحب القرار السياسي والأمني عند العدو. 
  3. توفر فرصة حقيقية داخلية، يمكن أن يُبدأ منها، لتُشكّل النموذج والبداية.
  4. تباني محلي داخلي، يتم فيه التوافق على (الرأس) لهذا المشروع. 
  5. عدم رفض داخلي، حقيقي، و(خشن) للمضي بهذا المشروع وتنفيذه. 

سادساً: التقدير والتوصيات: 

بناء على ما تقدم، وإنطلاقاً من أن أفكار اليوم قد تصبح حقائق الغد، وحيث أن الكيان المحتل لفلسطين بدأ بفكرة، انتهت بكيان احتل كامل التراب الفلسطيني، ويعربد في كامل الإقليم، فإننا نعتقد أن هذه الفكرة، وفي حال وجدت أرضية مناسبة، ومساعدة، سوف يحاول العدو البدء بتنفيذها بشكل متدرج (ناعم)، ليثبّت حقائق؛ مفاهيمية وجغرافية وسياسية وإدارية، يبني عليها خطواته المستقبلية، تحقيقاً للأهداف الكلية التي جئنا على ذكرها في مقدمة هذا التقدير، الأمر الذي يتطلب: 

  1. النظر لمثل هذا المشروع بعين الخطورة، وبكامل الجدية والمسؤولية. 
  2. الرفض وعدم القبول بسماح بذر بذور هذا المشروع التي قد تكون على شاكلة: التعامل المباشر مع المخاتير وكبائر العوائل والعشائر، تجاوز الأطر السياسية الرسمية أو العرفية في المجتمع الفلسطيني، قبول التسهيلات الخدمات الانتقائية، وغيرها من خطوات تخدم في هذا الاتجاه. 
  3. التوعية المجتمعية حول خطورة هذا المشروع، على النسيج المجتمعي، والمشروع الوطني.
  4. شرح خطورة مثل هذا المشروع على دول الطوق، خاصة التي يقوم جزء من نظامها السياسي على البعد العشائري والعائلي، خاصة مصر والأردن. 
  5. تقوية وتطوير وتجويد الأعراف المجتمعية والعشائرية من قبل: فك العاني، نصرة المظلوم، التكافل الاجتماعي، وغيرها مما يساعد في تماسك المجتمع ووحدة صفه.
  6. القاء (الحرم) العشائري والعائلي على كل من تسول له نفسه التماهي، أو المشاركة في مثل هذا المشروع.
  7. الضرب بيد من حديد على كل من يشارك، أو يروج، أو يمهد لمثل هذا المشروع، قولاً، أو فعلاً. 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025