مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية (CFR)
ترجمة حضارات
مقال بقلم كالي روبنسون
من هي حماس؟
ملخص:
حماس هي حركة إسلامية مسلحة نشأت عن الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين في أواخر الثمانينيات. استلمت الحكم في قطاع غزة بعد فوزها على منافسها السياسي، حركة فتح، في الانتخابات التي جرت عام 2006.
وقد صنّفت حكومات عدة، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حماس كمنظمة "إرهابية "بسبب هجماتها على (إسرائيل)، والتي شملت تفجيرات انتحارية وهجمات صاروخية.
وأعلنت (إسرائيل) الحرب على حماس عقب هجومها المفاجئ في أكتوبر 2023، والذي يُعد الأعنف في تاريخ إسرائيل، وأسفرت العمليات الإسرائيلية عن مقتل عدد من كبار قادة الحركة.
مقدمة:
حماس هي حركة إسلامية مسلحة تسيطر على قطاع غزة منذ ما يقرب من عقدين. وترفض الحركة بشكل عنيف وجود (إسرائيل)، التي تزعم أنها تحتل فلسطين.
في أكتوبر 2023، شنت حماس هجومًا على جنوب(إسرائيل)، أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأسر أكثر من 200 رهينة. وردًا على ذلك، أعلنت (إسرائيل) حربًا تهدف إلى القضاء على الحركة. وقد أودى الصراع بحياة أكثر من 56 ألف شخص حتى يونيو 2025، وفقًا لوزارة الصحة التابعة لحماس في غزة.
ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في يناير 2025، إلا أنه انهار في مارس، ولم تُثمر الجهود اللاحقة للتوصل إلى اتفاق جديد عن نجاح يُذكر.
على مدار السنوات، صنّفت عشرات الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، حماس كمنظمة "إرهابية"، رغم أن بعض هذه الدول يقتصر تصنيفها على الجناح العسكري للحركة فقط.
وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية جديدة منذ اندلاع حرب (إسرائيل) وحماس، ولا تزال أكبر مورد للأسلحة (لإسرائيل).
أهم حليف لحماس في المنطقة هو إيران، لكنها تلقت أيضًا دعمًا ماليًا وسياسيًا كبيرًا من تركيا. وتستضيف قطر المكتب السياسي للحركة، وتوفر له الموارد المالية، وذلك بمعرفة وتعاون من الحكومة الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، تُعد حماس أحد مكونات ما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني، وهو شبكة إقليمية من الشركاء المناهضين لإسرائيل، تشمل الجهاد الإسلامي الفلسطيني، حزب الله اللبناني، الحوثيين في اليمن، ومجموعات مسلحة مختلفة في العراق وسوريا.
وبالنظر إلى هذه العلاقات، يخشى العديد من الخبراء الأمنيين أن تؤدي حرب إسرائيل–حماس إلى انزلاق المنطقة في صراع أوسع.
أما حزب حماس المنافس، فتح، الذي يهيمن على السلطة الفلسطينية ويحكم الضفة الغربية، فقد تخلى رسميًا عن العنف، رغم أنه لم يلتزم دائمًا بهذا التعهد في أوقات التوتر العالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد أدى الانقسام في القيادة الفلسطينية وخصومة حماس الثابتة تجاه إسرائيل إلى تقليل فرص الاستقرار في غزة قبل الحرب الحالية، التي لم تفعل سوى دفع القطاع إلى مزيد من اليأس.
ما هي أصول الحركة ؟
حماس، وهو اختصار لـ "حركة المقاومة الإسلامية"، تأسست على يد الشيخ أحمد ياسين، العالم الفلسطيني الذي أصبح ناشطًا في فروع جماعة الإخوان المسلمين المحلية بعد أن كرّس حياته المبكرة للدراسة الإسلامية في القاهرة. ومنذ أواخر الستينيات، بدأ ياسين نشاطه الدعوي وأعماله الخيرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين كانتا تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب الأيام الستة عام 1967.
أسس ياسين حركة حماس كذراع سياسية للإخوان المسلمين في غزة في ديسمبر 1987، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. في ذلك الوقت، كان الهدف من تأسيس الحركة هو الانخراط في أعمال مقاومة ضد الإسرائيليين كوسيلة لاستعادة الدعم الشعبي الفلسطيني للإخوان المسلمين، الذين فقدوا شعبيتهم لصالح حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي منظمة مقرها غزة ومرتبطة بإيران، وبدأت بتنفيذ عمليات ضد (إسرائيل).
نشرت حماس ميثاقها في عام 1988، داعيةً إلى قتل اليهود وتدمير (إسرائيل)، وإقامة مجتمع إسلامي في فلسطين التاريخية مكانها. وفي ما اعتبره المراقبون محاولة لتلطيف صورتها، قدمت حماس وثيقة جديدة عام 2017 أزالت الإشارات الصريحة إلى قتل اليهود، لكنها استمرت في رفض الاعتراف (بإسرائيل). كما ألمح الميثاق المعدّل إلى أن الحركة قد تقبل بقيام دولة فلسطينية مستقبلية على حدود ما قبل حرب الأيام الستة، والتي تُعترف بها دوليًا كحدود الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقول الوثيقة الجديدة إن هذا الأمر يجب أن يستند إلى "الإجماع الوطني".
استخدمت حماس التفجيرات الانتحارية لأول مرة في أبريل 1993، قبل خمسة أشهر من توقيع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين اتفاقيات أوسلو، التي أسست حكمًا ذاتيًا محدودًا لأجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة تحت كيان فلسطيني جديد يُعرف باسم السلطة الفلسطينية. وقد أدانت حماس هذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى اعتراف منظمة التحرير (وإسرائيل) ببعضهما البعض، والذي تم رسميًا عبر رسائل متبادلة بين عرفات ورابين قبل أيام من توقيع أوسلو.
في عام 1997، صنّفت الولايات المتحدة حماس كمنظمة إرهابية أجنبية. واستمرت الحركة في قيادة المقاومة خلال الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رغم أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية"وميليشيات" "التنظيم" التابعة لحركة فتح كانت مسؤولة أيضًا عن أعمال عنف ضد الإسرائيليين.
من هم قادة حماس؟
تمتلك حماس هيئات قيادة متعددة تؤدي وظائف سياسية وعسكرية واجتماعية متنوعة. وتحدد السياسة العامة هيئة استشارية عليا غالبًا ما يُطلق عليها اسم "البوليتبورو"، وتعمل في الخارج، بينما تدير اللجان المحلية القضايا الشعبية في غزة والضفة الغربية.
وكتب الباحث البارز في مركز CFR، ستيفن كوك، أن "الوتيرة التي استهدفت بها( إسرائيل) قادة حماس جعلت من الصعب تحديد من يتولى القيادة في القطاع."
استهدفت (إسرائيل) كبار مسؤولي حماس منذ تأسيس الحركة في أواخر الثمانينيات. فقد قتلت قواتها الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، عام 2004. ومنذ أكتوبر 2023، أدت الحرب في غزة إلى زعزعة قيادة الحركة، حيث قُتل العديد من كبار أعضائها. قُتل مروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لحماس، في ضربة جوية في مارس 2024. كما قُتل إسماعيل هنية، الذي شغل منصب الرئيس السياسي منذ عام 2017، بعد أشهر في غارة يُشتبه بأنها إسرائيلية في طهران في يوليو. وقتلت إ(سرائيل) أيضًا قائد حماس العسكري، محمد ضيف، في ضربة على مدينة خان يونس جنوب غزة.
في أكتوبر 2024، نفذت (إسرائيل) ضربة أسفرت عن مقتل عدد من مقاتلي حماس، بينهم يحيى السنوار، الذي خلف هنية في رئاسة المكتب السياسي. ويُعتقد أن السنوار كان أحد مهندسي هجوم 7 أكتوبر، إلى جانب الضيف وعيسى، ويقول محللون عسكريون إن مقتله شكّل نجاحًا رمزيًا وعمليًا كبيرًا للقوات الإسرائيلية.
بعد وفاة السنوار، تم تعيين مجلس قيادة عليا مكوّن من خمسة أعضاء مقره الدوحة، قطر، ليحل محله مؤقتًا حتى انتخاب رئيس سياسي جديد، كان مقررًا في مارس 2025 لكنه لم يُجرَ بعد. ويتكوّن المجلس من خالد مشعل، خليل الحية، زاهر جبارين، محمد إسماعيل درويش، وعضو خامس لم يُكشف اسمه بعد، ويُعتقد أنه موسى أبو مرزوق.
وقد أنشأ قادة حماس وجودًا في قطر—حيث يُعتقد أن مشعل وأبو مرزوق والحية ودرويش موجودون جميعًا—بعد خلافهم مع مضيفهم السابق سوريا، إثر مشاركة اللاجئين الفلسطينيين في الانتفاضة عام 2011 التي سبقت الحرب الأهلية السورية. ويُقال إن بعض كبار قادة حماس، بما في ذلك جبارين، يعملون أيضًا من مكاتب الحركة في تركيا.
قاد مشعل الذراع السياسية لحماس في الخارج من عام 2004 إلى 2017، قبل أن يسلمها لهنية، ويُعتبر أحد أبرز المرشحين لخلافة السنوار. ويُعتقد أن الحية، الذي قاد مفاوضات الحركة مع (إسرائيل) في قطر، هو أيضًا مرشح محتمل. أما جبارين فهو رئيس حماس في الضفة الغربية، ودرويش يرأس الهيئة الدينية الاستشارية للحركة، المعروفة باسم مجلس الشورى.
ومن القادة البارزين الآخرين: عصام الدالي، رئيس وزراء غزة الفعلي منذ عام 2021، الذي قُتل على يد القوات الإسرائيلية في مارس، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين الآخرين. وفي مايو، قضت (إسرائيل) على شقيق السنوار، محمد السنوار، الذي أصبح رئيس الجناح العسكري للحركة وكان أحد آخر القادة البارزين في القطاع. ويُعتقد أن أعلى قائد عسكري حالي في غزة هو عز الدين الحداد، المعروف أيضًا باسم "أبو صهيب".
كيف تُموّل حركة حماس؟
تاريخيًا، كان الفلسطينيون المغتربون والمتبرعون الخاصون في دول الخليج الفارسي يوفرون الجزء الأكبر من تمويل الحركة. أما اليوم، فتُعد إيران من أكبر الجهات المانحة لحماس، حيث تقدم الأموال والأسلحة والتدريب. ورغم أن العلاقات بين إيران وحماس شهدت فتورًا مؤقتًا بعد دعم كل طرف لجهة مختلفة في الحرب الأهلية السورية، فإن إيران تقدم نحو 100 مليون دولار سنويًا لحماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وغيرها من الجماعات المصنّفة كمنظمات "إرهابية" من قبل الولايات المتحدة، وفقًا لتقديرات وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2021. وقد كانت إيران سريعة في مدح هجوم حماس على (إسرائيل)أواخر 2023، مؤكدة استمرار دعمها للحركة.
وكانت تركيا داعمًا آخر لحماس وناقدًا (لإسرائيل) منذ صعود الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة عام 2002. ورغم أن أنقرة تصر على أنها تدعم حماس سياسيًا فقط، فقد وُجهت إليها اتهامات بتمويل نشاطات حماس المسلحة، بما في ذلك عبر مساعدات تم تحويلها من وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA).
أغلق كل من مصر (وإسرائيل) حدودهما مع غزة بين عامي 2006 و2007، مما قيّد حركة البضائع والأشخاص داخل وخارج القطاع. وبعد سنوات من بدء الحصار، بدأت حماس بجمع الإيرادات عبر فرض ضرائب على البضائع التي تمر عبر شبكة متقنة من الأنفاق لتفادي معبر مصر إلى غزة. وقد أدخلت هذه الأنفاق إلى القطاع مواد أساسية مثل الغذاء والدواء والغاز الرخيص لإنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى مواد البناء والنقد والأسلحة. وأغلقت مصر معظم الأنفاق التي تخترق أراضيها، لكنها بدأت بالسماح لبعض البضائع التجارية بالدخول إلى غزة عبر معبر صلاح الدين في عام 2018. وبحسب تقارير عام 2021، جمعت حماس أكثر من 12 مليون دولار شهريًا من الضرائب على البضائع المصرية المستوردة إلى غزة.
هل تمر المساعدات الخارجية لغزة عبر حماس؟
قبل الحرب الحالية، سمحت (إسرائيل) لقطر بتقديم مئات الملايين من الدولارات سنويًا لغزة عبر حماس. لكن المساعدات الخارجية تصل عادةً إلى غزة عبر السلطة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (UNRWA)، رغم أن حماس قد حولت بعض هذه المساعدات، بحسب تقارير. وبصفتها كيانًا مصنَّفًا "إرهابيًا"، فإن حماس وحكومتها محرومتان من أي مساعدات رسمية تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضفة الغربية. كما قامت بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية في الدول الغربية بتحويل أموال إلى مجموعات خدمات اجتماعية تابعة لحماس، مما دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى تجميد أصولها.
لقد دمّرت الحرب الأخيرة بين (إسرائيل) وحماس قطاع غزة، وزادت من حدة الفقر المتفشي بالفعل قبل 7 أكتوبر. فقد كان أكثر من مليون شخص بحاجة إلى المساعدات قبل اندلاع القتال؛ ونتيجة للحرب، نزح نحو 90 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، وبدأت تظهر أوضاع مجاعة. ويجعل الحصار المصري-الإسرائيلي غزة معزولة عن العالم إلى حد كبير، مع اعتمادها على القليل من المساعدات الدولية التي يُسمح لها بالمرور بعد تفتيش إسرائيلي. وتظل UNRWA الموزع الرئيس للمساعدات، لكنها تعرضت لخفض تمويل هائل بعد اتهامات بأنها وظفت أعضاء من حماس متورطين في مجزرة 7 أكتوبر. وقد أوقفت الولايات المتحدة، أكبر مانح لها، تمويلها لمدة عام في مارس 2024، في حين أصدرت نحو اثنتي عشرة دولة أخرى قرارات بتجميد التمويل أو ربطه بنتائج التحقيقات في تلك الاتهامات.
كيف حكمت حماس غزة؟
أصبحت حماس السلطة الفعلية في غزة بعد وقت قصير من انسحاب (إسرائيل )من القطاع عام 2005. وفي العام التالي، فازت حماس بأغلبية المقاعد في برلمان السلطة الفلسطينية وشكلت حكومة. وقد حصلت على الأصوات بفضل الخدمات الاجتماعية التي قدمتها، وكذلك كرد فعل على حركة فتح، التي اعتقد العديد من الناخبين أنها أصبحت فاسدة خلال قيادتها للمنظمة، ولم تحقق الكثير للفلسطينيين عبر مفاوضاتها مع (إسرائيل).
وكانت النتيجة غير مقبولة بالنسبة لفتح وداعميها الغربيين، فطردت فتح حماس من السلطة في الضفة الغربية. وفي غزة، هزمت حماس ميليشيات فتح خلال أسبوع من القتال، ما أدى إلى انقسام سياسي بين الضفتين الفلسطينيتين. ومنذ ذلك الحين، لم يصوّت الفلسطينيون لانتخاب برلمان منذ عام 2006، ولا لرئيس منذ عام 2008.
عندما استولت حماس على ما تبقى من مؤسسات السلطة الفلسطينية في القطاع، قامت بإنشاء جهاز قضائي وأقامت مؤسسات سلطوية. نظريًا، حكمت حماس وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني المستند إلى الشريعة، لكن عمليًا كانت أكثر تقييدًا مما يتطلبه القانون، بما في ذلك فرض ضوابط على لباس النساء وفرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة. ووجدت منظمة Freedom House في تقريرها لعام 2020 أن "الحكومة التي تسيطر عليها حماس لا تمتلك آليات فعالة أو مستقلة لضمان الشفافية في التمويل أو المشتريات أو العمليات." كما تقوم حماس بقمع الإعلام في غزة، والنشاط المدني على وسائل التواصل الاجتماعي، والمعارضة السياسية، والمنظمات غير الحكومية، مما يتركها بلا آليات للمساءلة.
كيف تحدّت حماس إسرائيل؟
على مدى عقود، اقتصرت هجمات حماس على( إسرائيل) في الغالب على إطلاق الصواريخ والقذائف، وعمليات إطلاق نار جماعي، وتفجيرات انتحارية. ويشير مسؤولون إيرانيون إلى أن طهران قدمت بعض الأسلحة لحماس، لكن الحركة اكتسبت القدرة على تصنيع صواريخها الخاصة بعد التدريب مع الحرس الثوري الإيراني ووكلائه. ويقدّر المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن حماس كانت تمتلك نحو عشرين ألف صاروخ وقذيفة في ترسانتها عند بدء حربها الحالية مع (إسرائيل). كما نفذت المجموعة عمليات تسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، قتلت خلالها وأخذت أسرى من الجنود والمدنيين.
قبل صراع 2023، شهدت حماس (وإسرائيل) أعنف مواجهاتهما منذ سنوات في عام 2021، عندما أطلقت حماس صواريخ على (إسرائيل) عقب أسابيع من التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس. ويقول بعض المحللين إن حماس أرادت تعزيز مكانتها كمدافع عن القضية الفلسطينية بعد تأجيل السلطة الفلسطينية للانتخابات في ذلك العام. وخلال الصراع الذي استمر أحد عشر يومًا، أطلقت حماس وحركة الجهاد الإسلامي أكثر من أربعة آلاف صاروخ من غزة، ما أدى إلى مقتل عشرة مدنيين إسرائيليين وإصابة أكثر من ثلاثمائة آخرين. وقد توسطت الولايات المتحدة ومصر لوقف إطلاق النار.
ما الذي ميّز هجوم حماس على إسرائيل في 2023؟
كان هجوم حماس على جنوب إسرائيل في عام 2023، المعروف باسم "عملية عاصفة الأقصى"، استثنائيًا من حيث الاستراتيجية والحجم والسرية، بحسب المحللين. بدأ الهجوم صباح 7 أكتوبر، وهو يوم السبت اليهودي وعطلة دينية مهمة، حيث أطلقت حماس عدة آلاف من الصواريخ على جنوب ووسط إسرائيل، وصولًا إلى تل أبيب شمالًا. كما اخترق مقاتلو الحركة الحدود المحصنة لغزة وتسللوا إلى العديد من المدن والقرى في جنوب إسرائيل، ما أدى إلى مقتل نحو 1,200 شخص، إضافة إلى إصابة واختطاف العشرات.
بثّ المقاتلون فيديوهات مباشرة لأعمالهم، مما أظهر أن الهجوم كان عنيفًا للغاية. ويعتقد خبراء أن بعض هذه الأعمال قد تُصنّف كجرائم حرب؛ ففي مارس 2024، ذكرت تحقيقات الأمم المتحدة أن هناك "أسسًا معقولة للاعتقاد" بأن بعض عناصر حماس ارتكبوا عنفًا جنسيًا بحق الرهائن والمقتولين في 7 أكتوبر. وقال القائد العسكري محمد ضيف إن الهجوم جاء ردًا على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية و"جرائمها" ضد الشعب الفلسطيني.
يُعد هجوم 7 أكتوبر الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الممتد 75 عامًا، وقد أحدث صدمة نفسية عميقة لدى الإسرائيليين، حيث قارن بعض المحللين الهجوم بمفاجآت بيرل هاربر وهجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. وكتب الباحث البارز في مركز CFR، بروس هوفمان: "من غير المسبوق أن تمتلك منظمة إرهابية القدرة والوسائل لتنفيذ هجمات منسقة ومتزامنة من الجو والبحر والبر."
التداعيات الإقليمية والدولية
سلّطت العملية والحرب اللاحقة الضوء على الروابط العسكرية والاستخباراتية بين حماس وإيران، وكذلك بين إيران وحلفائها في "محور المقاومة"، بما في ذلك حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن. ورغم عدم وضوح مدى التنسيق بينهم، فقد شنت جميع هذه الأطراف هجمات على إسرائيل أو أهداف مرتبطة بها خلال الحرب المستمرة، بما في ذلك الهجوم الإيراني الأول على الأراضي الإسرائيلية في أبريل 2024. وفي الوقت نفسه، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل، فضلًا عن ضربات متكررة على السفن في البحر الأحمر والممرات الملاحية المحيطة، التي تتولى البحرية الأمريكية حمايتها. وقد أثارت هذه الهجمات الاستثنائية مخاوف من أن تتحول الحرب في غزة إلى صراع إقليمي واسع.
كيف يرى الفلسطينيون حماس؟
تباينت آراء الفلسطينيين حول حماس. قبل 7 أكتوبر، كانت الحركة غير شعبية في غزة والضفة الغربية، رغم أن الفلسطينيين في كلا المنطقتين فضّلوا حماس على الفصائل الأخرى. ويقول خبراء إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألغى الانتخابات الوطنية عام 2021 لمنع فوز محتمل لحماس.
بعد 7 أكتوبر، ارتفعت نسبة دعم حماس في غزة أربع نقاط مئوية، وتضاعفت تقريبًا في الضفة الغربية، وفقًا لاستطلاع أُجري في ديسمبر 2023، لكنها لم تحظَ بأغلبية في أي من المنطقتين. ومن الصعب الحصول على صورة دقيقة لآراء الفلسطينيين حول حماس، إذ غالبًا ما تُقابل الانتقادات المفتوحة للحركة بالعداء أو العقاب. ومع ذلك، أظهر استطلاع أجراه مركز رام الله للسياسات وأبحاث الرأي العام (PSR) في سبتمبر 2024 أن 39% من الفلسطينيين دعموا هجوم حماس على إسرائيل، بانخفاض 18 نقطة عن استطلاع سابق قبل ستة أشهر فقط.
وأشار المركز إلى أن "الدعم لهذا الهجوم لا يعني بالضرورة الدعم لحماس، ولا الموافقة على أي عمليات قتل أو فظائع ارتُكبت ضد المدنيين. إذ يعتقد نحو 90% من الجمهور أن عناصر حماس لم يرتكبوا الفظائع المصوّرة في الفيديوهات التي تم تسجيلها في ذلك اليوم."
ماذا ينتظر حماس؟
تسعى (إسرائيل) إلى القضاء تمامًا على التهديد الذي تمثله حماس، حيث صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن الهدف هو "النصر الكامل". وقال مسؤولون إسرائيليون إن حماس لم تعد تشكّل قوة قتالية منظمة في شمال غزة، فيما يُعتقد أن قادتها المختبئين في القطاع يتواجدون تحت الأرض في الجنوب.
وتوسطت إدارة الرئيس جو بايدن، بمساعدة إدارة الرئيس دونالد ترامب القادمة، لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والذي بدأ في يناير 2025 واستمر شهرين، قبل أن تتجدد الاشتباكات في مارس. وقد فشلت المحاولات اللاحقة للتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. وأعلن ترامب في يوليو أن إسرائيل وافقت على اقتراح هدنة جديد، رغم أن حماس لم تقبل الشروط فورًا.
عقد مفاوضو حماس والسلطة الفلسطينية محادثات حول التعاون في حكومة تكنوقراطية تدير غزة بعد انتهاء القتال، وأصدروا بيانًا مشتركًا في بكين في يوليو 2024. لكن بعض الخبراء يرون أن الحكومة الإسرائيلية من غير المرجح أن تقبل بهذه النتيجة، بعد أن رفضت حتى الآن الهدن المؤقتة التي كانت ستتيح لحماس الوقت لإعادة التنظيم.
وقال ستيفن كوك من مركز CFR لمجلة The President’s Inbox في يناير:
"النتيجة الأكثر احتمالًا لهذا الصراع الرهيب ليست استئناف المفاوضات من أجل حل الدولتين، ولا صيغة حكم جديدة لقطاع غزة، بل نسخة بائسة فعليًا من الوضع الراهن الذي كان قائمًا قبل 7 أكتوبر... لا توجد أي بنية حكم يمكن للجميع الاتفاق عليها هنا."