تبديل خواتم: نتنياهو صادق على تبديل ملكية الشرق الأوسط

معاريف

 بن كسبيت 
​​​​​​​
كُلّ من يُصغي لترامب في المؤتمر الصحافي يفهم: قطر مهمة لإدارته على الأقل بقدر أهمية إسرائيل. مقترح ترامب يطرح إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين، لكنه يقدّم أيضاً واقعاً مُقلقاً لإسرائيل.

هذه المقالة كُتبت مساء يوم الغفران، مع صلاةٍ بأن يُقبَل "مقترح ترامب" لدى حماس. احتمال أن تتحول الخطة كلها إلى واقع منخفض حتى معدوم، لكن فلنكتفِ بإعادة جميع المخطوفين وإنهاء الحرب. كان ينبغي أن يحدث هذا منذ زمن. خلال المؤتمر الصحافي الغريب لترامب ونتنياهو في واشنطن قال الرئيس بصوته ما أكتبه هنا منذ أشهر طويلة: إذا عاد حماس إلى سيرته الأولى، فسيكون لدينا دعم كامل من رئيس الولايات المتحدة للعودة إلى قتالهم بكل قوة، وفق شروطنا. هذا صحيح الآن، وكان صحيحاً أيضاً سابقاً. ما كان ينقص هو الإرادة لإنهاء الحرب، بعد أن هُزم جيش حماس وسُحق قوته العسكرية.

من الواضح أنهم سيعودون إلى سيرتهم. حماس سيبقى حماس. عندما يحدث ذلك، يجب أن تتحول غزة إلى نسخة مصغّرة ومحاصَرة من يهودا والسامرة، وسيعمل الجيش الإسرائيلي هناك كما يشاء، ولن تكون هناك حاجة لتجنيد خمس فرق للدخول إلى الشجاعية أو خان يونس، وسيُزال التهديد على إسرائيل. سنواصل القتال ضد الإرهاب الجهادي كما نواصل القيام بذلك بنجاح غير قليل في أماكن أخرى. "النصر المطلق" المخترَع، الذي هدف إلى إنعاش حكومة نتنياهو بينما يخنق المخطوفين، لم يكن أكثر من حيلة سياسية ساخرة ومروِّعة وذات عواقب وخيمة.

الجدل الدائر الآن بين المعسكرات المختلفة حول المقترح، هل هو انتصار لإسرائيل أم لحماس، طفولي وغير ضروري. يمكن ملء هذا العمود بمساوئ المقترح من ناحية إسرائيل، ويمكن أيضاً ملؤه بمزاياه. هذا يتوقف على عين الناظر وزاوية الرؤية. إنه مسألة تفسير ومزاج وواقع على الأرض. المؤكد أن معظم ما وعد به نتنياهو طوال الأشهر الطويلة وغير الضرورية من الحرب قد انهار. وعد نتنياهو بأن يُقضى على حماس وأن نطارد كل "الإرهابيين" ونقتلهم حتى آخر واحد، وأنه لن تكون هناك حماس بعد الحرب، لن يتحقق. تطبيق المقترح سيؤدي في نهاية المطاف إلى خروج الجيش الإسرائيلي من القطاع (باستثناء محيط ضيّق) وإنهاء الحرب.

المقترح يتضمن على الأقل مرتين إشارات إلى "مسار موثوق" لإقامة دولة فلسطينية. لا يشمل ترحيلاً ولا "هجرة طوعية" ولا ريفييرا، بل على العكس، يُدخل إلى القطاع قوة دولية رغم أن نتنياهو وعد بألا تكون هناك قوة كهذه، ولا يبقى إلا تخيّل ما كان سيفعله نتنياهو وجوقة أبواقه وصائحيه بأي رئيس حكومة آخر كان سيوقع على مقترح كهذا. ناهيك عن الاعتذار المُذلّ أمام قطر، الذي جاء بعد الاعتذار المُذلّ أمام أردوغان، الذي جاء بعد الاعتذار المُذلّ أمام الأردن، بعد محاولة اغتيال خالد مشعل لدى نتنياهو المبكر في التسعينيات. إنه يعتذر في كل عقد وقرن.

في الوقت الذي التقى فيه نتنياهو وترامب ثم خرجا للصحافيين، وقّع الرئيس الأمريكي أمراً رئاسياً خاصاً تضمن "كفالة أمنية" أمريكية غير مسبوقة للقطريين بألا يتعرضوا لهجوم مرة أخرى، وإن هوجموا فسيُعد ذلك هجوماً على الولايات المتحدة. الخلاصة: نجح نتنياهو في مهاجمة قطر، وفاته الهدف، ولم يقتل قيادة حماس، لكنه تلقّى أمراً بالإبعاد عن إمكانية هجوم إضافي. حصل القطريون على حصانة، تماماً كما حصل خالد مشعل في حينه على الترياق. وبعدها اعتذرنا لهم أيضاً. بهذا الإيقاع من يدري، ربما سنعتذر في النهاية أيضاً لحماس.

تذكير: الهجوم في قطر كان من المفترض أن يقضي على ما تبقّى من القمة السياسية لحماس. أن يقطعها دفعة واحدة. لا ينبغي أن ننسى أن نتنياهو كان يمكنه أن يجنب هذا الهجوم، وكذلك الاعتذار، وكذلك السنتين الأخيرتين، لو أنه استجاب في حينه لطلب الشاباك بقطع القمة العسكرية لحماس في غزة. ست مرات تلقى خطة عملياتية جاهزة كهذه، وست مرات رفضها. التسعيرة آنذاك كانت أرخص بكثير قياساً بما دفعه نتنياهو الآن. المشكلة أنه لم يدفع حقاً. نحن دفعنا. آلاف المقتولين، المخطوفين، الجرحى، المصابين بالصدمة اللاحقة، القتلى، المحطمين والمقهورين، العائلات التي تفككت والأحلام التي تهشمت والأعمال التي أُغلقت والدولة التي أصبحت منبوذة في كل أرجاء العالم.

كما قيل، ليس مهماً الآن أي سبين سيتغلب ولا حتى التفاصيل التي فُصّلت في المقترح، لأنها لن تتحقق على الأرض. يكفي أن تنتهي الحرب ويعود المخطوفون. من نظرة عامة، تتضح هنا صورة ماكرو لافتة، وربما حتى مشوّقة، وإن كان الأمر يتعلق بمصيرنا: بعد أن فُوجئت إسرائيل وأُهينت وتلقت ضربة تاريخية في 7 أكتوبر، نجحت في قلب الطاولة وضرب المحور الشيعي الذي أحكم عليها الخناق ضربة قاصمة كسرت ظهره. لم يُقضَ عليه، لكنه هُزم. على الأقل في الوقت الراهن. إذن حلقة النار للمحور الشيعي خرجت، لكن المحور السني دخل. وليس المقصود

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025