صحيفة هآرتس
ترجمة حضارات
الكاتب: ب. ز. كيدار
في الأيام التي تلت السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحثتُ عن سابقة لهجوم المفاجأة الذي نفّذته حركة حماس، وفي النهاية وجدت تشابهاً قريباً جداً: هجوم "تِت" الذي شنّه مقاتلو الفيتكونغ وجيش فيتنام الشمالية الشيوعي في 31 كانون الثاني/يناير 1968. في الحالتين، تمكّن المهاجم، الذي اعتُبر تنظيماً "إرهابياً "يعمل في خلايا صغيرة، من تشكيل قوة عسكرية كبيرة؛ وفي الحالتين، وقع الهجوم في يوم عيد للجانب المُستهدَف، حين كان العديد من جنوده في إجازة؛ وفي الحالتين، خرج المهاجمون من دون دبابات أو طائرات لمواجهة أحد أقوى جيوش العالم، وبدأوا أولاً بوابل من الصواريخ، ثم باقتحام بري سريع. التشابه مع هجوم "تِت" واضح إلى درجة أنه يمكن الافتراض بأن مخططي حماس درسوه واستلهموا منه، كما كتبتُ سابقاً في صحيفة "هآرتس" (11.6.2024).
وفي تقرير تلفزيوني عن الأخوين السنوار عُرض على قناة "كان 11" بتاريخ 24 أيار/مايو من هذا العام، روت العميدة المتقاعدة بيتي لاهط، الرئيسة السابقة لجهاز الاستخبارات في مصلحة السجون، أن يحيى السنوار، خلال فترة سجنه في (إسرائيل)، كان يكرّس وقته لدراسة حرب الفيتكونغ ضد الأميركيين، وبخاصة نظام الأنفاق الذي حفره المقاتلون الشيوعيون. وأضافت أن السنوار أصرّ على أن يدرس عناصر حماس في السجن هجوم "تِت".
اتصلتُ ببيتي لاهط وسألتها إن كانت قد نقلت هذه المعلومات إلى الجهات الأمنية، فكان جوابها قاطعاً: "كل المعلومات التي تلقيناها نُقلت إلى أجهزة الاستخبارات". أي إنه من المرجّح أنه في شباط/فبراير 2017، عندما أصبح السنوار زعيماً لحماس في قطاع غزة، كانت في ملفه الشخصي لدى شعبة الاستخبارات دلائل على اهتمامه الكبير بحرب فيتنام.
هل كان على ضابط الاستخبارات المسؤول عن هذا الملف أن يتوقّع أن السنوار سيحاول تكرار هجوم "تِت" في غلاف غزة؟ بالطبع لا. فخطط السنوار في السجن لم تكن بالضرورة مؤشراً على استراتيجيته بعد خروجه، إذ كان يمكنه أن يختار نهجاً مغايراً تماماً. لكن ضابط استخبارات متمرّس، يدرك أن الجزء الأصعب والمضلل في عمله هو استكشاف نوايا العدو، كان يمكن أن يرى في معلومات العميدة لاهط مفتاحاً لفهم نيات السنوار، وبالتالي يتابع خطواته على ضوء النموذج الفيتنامي.
لو حصل ذلك فعلاً، ومع تراكم الأدلة حول "مدينة الأنفاق" التي بنتها حماس، وتدريبات السيطرة على مبانٍ تحاكي مواقع الجيش الإسرائيلي، لكانت الشكوك قد ازدادت بأن السنوار بالفعل يتخذ من فيتنام نموذجاً يحتذي به. ومن هنا، كانت المسافة قصيرة للتنبؤ بنسخة فلسطينية من هجوم "تِت".
من المرجّح أنه لو وُجد في قسم الاستخبارات "ملف فيتنامي" يتضمن هذه المعلومات، وقد عُرض على اللواء أهارون حليوة في أيلول/سبتمبر 2023، لكانت أجراس الإنذار قد دقّت أيضاً في رأسه.
ولو فكّر أحد في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك في مراجعة كيف تعاملت الاستخبارات الأميركية قبل هجوم "تِت"، لوجد أن الأميركيين حصلوا على أجزاء من الخطط قبل الهجوم، لكنهم قدّروا أن الشيوعيين غير قادرين على تنفيذ عملية بهذا الحجم، واعتبروا تلك الخطط تضليلاً. ردّ فعل القادة الأميركيين تجاه المعلومات التي خالفت قناعاتهم الراسخة تجاه العدو جعلهم يتجاهلونها، ولهذا فاجأهم الهجوم تماماً.
اللواء أهارون حليوة، رئيس شعبة الاستخبارات عام 2023، لم يتدرّج في مجال الاستخبارات، وكذلك اللواء إيلي زعيرا، رئيس الاستخبارات عام 1973. كلاهما كان ضابط مشاة، وكل واحد منهما قاد لواء المظليين في فترة مختلفة، ووُضعا في رئاسة الاستخبارات كمنصب إضافي برتبة لواء. من حيث التأهيل، كانت هناك فجوة واسعة بينهما وبين يهوشَفَت هَرخَبي، رئيس الاستخبارات بين عامي 1955 و1959، وهو مستشرق ومفكر قرأ أدبيات اللاجئين العرب وكتب أن فيها "تعبيراً حقيقياً عن الشوق والمحبة للأرض". (أُقيل بعد حادثة "ليلة البطّ"، وبدأ بعدها مسيرة أكاديمية بارزة). ومع ذلك، يمكن الافتراض أنه لو كان لدى شعبة الاستخبارات ملف فيتنامي كهذا، وقد عُرض على حليوة في أيلول/سبتمبر 2023، لكانت أجراس الإنذار قد دقّت في رأسه أيضاً.