يتوقف وزير الخارجية غدعون ساعر لحظة قبل الإجابة عن السؤال الأول في هذه المقابلة، ليس بدافع الحذر رغم أنه عاش ما يكفي منه هذا العام، بل لأن العام الذي يُطلب منه تلخيصه عصيّ على الاختزال، فالأشهر الاثنا عشر الماضية في الدبلوماسية الإسرائيلية كانت، بكل المقاييس، من الأكثر اضطراباً منذ الانتفاضة الثانية، ومع ذلك، يتحدث ساعر بهدوء، بلا دراما، وهو يستعرض عاماً يصفه بأنه "عام لا يرحم، عالي المخاطر، وحاسم".
نلتقيه في مكتبه في القدس، وعند بداية الاجتماع، يعرض عليه مساعده تغريدة على منصة X/تويتر: "خبر عاجل ألمانيا سترفع حظر السلاح الجزئي عن إسرائيل".
"عملنا على ذلك لأشهر"، يقول للـ"مجلة"، "هذا مثال على الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ عام في الساحة الدبلوماسية".
يقول ساعر إن لحظات كثيرة كانت دراماتيكية، لكن الأكثر دراماتيكية كانت الساعات التي تلت قرار 12 يونيو بضرب إيران في بداية ما سيصبح حرب إسرائيل–إيران، "كنا ننتظر نتائج الضربة الأولى، ونعرف ما سيعنيه الفشل أو النجاح، ليس عسكرياً فقط، بل دبلوماسياً أيضاً".
هذا التداخل بين أحداث عسكرية تعيد تشكيل المشهد الدبلوماسي، هو السمة الأساسية لفترة ولايته، لحظة دراماتيكية أخرى يذكرها ساعر كانت معركة دبلوماسية لم تحدث في الشرق الأوسط بل في بروكسل، "إيقاف عقوبات الاتحاد الأوروبي كان أصعب بكثير مما يظنه الجمهور، كنا أقرب إلى العقوبات مما يدركه أي شخص في إسرائيل".
يوضح ساعر أن الديناميات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي ليست مفهومة جيداً لدى الجمهور الإسرائيلي. "الانعكاس المؤيد للفلسطينيين" في بعض دول أوروبا الغربية راسخ وقديم، شبه مؤسسي، لكن دول أوروبا الوسطى والشرقية، مثل ألمانيا، دول البلقان، التشيك، المجر، وحتى إيطاليا والنمسا، تُشكّل ثقلًا مضادًا يسمح لإسرائيل بمنع عزلة أعمق، "إن العمود الفقري كله لأوروبا الشرقية، من البلقان جنوباً وحتى دول البلطيق شمالاً، صديق لإسرائيل وأقل انشغالاً بالقضية الفلسطينية مقارنة ببعض دول أوروبا الغربية، لذلك، عليك نقل مركز الثقل إلى هناك".
وقد وجّه هذا الفهم أحد أكثر قرارات ساعر جرأة: إعادة تموضع المركز الدبلوماسي لإسرائيل، ونتيجة لذلك، أغلقت إسرائيل سفارتها في إيرلندا، لكنها افتتحت بعثات جديدة في إستونيا ومولدوفا، وحتى في زامبيا بجنوب شرق إفريقيا، "لا يمكنك العمل بخريطة تعود للماضي. أوروبا تغيرت. السياسة العالمية تغيرت، يجب أن نتغير نحن أيضاً".
دولة فلسطينية
تُجرى المقابلة مع وزير الخارجية في الأسبوع نفسه، الذي صوّت فيه مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن القوة متعددة الجنسيات (قوة الاستقرار الدولية) التي ستُنشر في غزة، يتضمن القرار عبارة "مسار نحو دولة فلسطينية" وهو مفهوم تعارضه الحكومة والعديد من أحزاب المعارضة: "لن تكون هناك دولة فلسطينية".
"من الواضح أن هذا ليس إنجازاً"، يقرّ ساعر، في إشارة إلى أن عدداً غير قليل من الدول اعترف بدولة فلسطينية خلال العام الماضي. "لكن تأثيرنا على حكومات بريطانيا أو كندا أو فرنسا شبه معدوم".
وقال: إن الجمهور يعرف الدول التي اختارت الاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه لا يعرف الدول التي نجح هو ووزارة الخارجية في إقناعها بعدم القيام بذلك "في دول مثل ألمانيا وكرواتيا ودول البلطيق وإيطاليا، وكذلك اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، خضنا معركة صعبة جداً، وتجنبنا انهياراً دبلوماسياً، ومع المواد الخام الدبلوماسية المتاحة لدينا، نجحنا في إدارة جهد احتوائي فعال للغاية".
يشير ساعر بنبرة نقدية إلى أنه حتى في الجولات السابقة، جاءت "موجات" الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بعد الانتفاضة الأولى والثانية، "في كل مرة تكون هناك موجة عنف، يكون لها مردود سياسي"، يلاحظ.
وفيما يتعلق بالسؤال عما إذا كانت إسرائيل ستواجه ضغطاً بعد نهاية حرب غزة، للتفاوض مع السلطة الفلسطينية بشأن الضفة الغربية أيضاً، قال الوزير بوضوح إنه في الوقت الحالي، لا تتعرض إسرائيل لضغط كبير، "بعد اجتماعاتي في واشنطن، فرضت إدارة ترامب عقوبات على رئيس السلطة محمود عباس ومسؤولين فلسطينيين كبار، ومنعتهم من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، الضغط بشأن مدفوعات الإرهابيين يتصاعد أيضاً، اضطر عباس لإقالة وزير ماليته بسبب قضية الرواتب. العالم اتهمه بأنه يضللهم".
غزة
"إذا لم تنزع حماس سلاحها، ستدعم الولايات المتحدة عملاً عسكرياً جديداً"، يوضح الوزير. لذلك، يقول إنه على عكس غريزة إسرائيل في التعامل مع كل خرق من حماس كسبب لكسر وقف إطلاق النار فوراً، يجب على إسرائيل أن تعطي هذه العملية فرصة، "على إسرائيل أن تُظهر أنها أعطت خطة ترامب فرصة حقيقية، لإقناع العالم بأننا نحاول تحقيق أهداف الحرب عبر الوسائل الدبلوماسية أولاً، وإذا فشل ذلك، يمكننا العمل عسكرياً وبشرعية دولية أقوى بكثير، هذا هو المصلحة الإستراتيجية الواضحة لإسرائيل الآن".
ويقرّ ساعر بأنه يشك في إمكانية نزع سلاح حماس دبلوماسياً، "نرى كيف تكافح الحكومة اللبنانية لفعل ذلك مع حزب الله، لكن في النهاية، علينا أن نُظهر للعالم أننا نعطي هذا مساراً".
ويؤكد أن الولايات المتحدة لا تتخذ قرارات في غزة نيابة عن إسرائيل، "لقد رددنا وسنرد بقوة عندما تكون هناك خروقات، لكن الآن، الحفاظ على وقف إطلاق النار يصب في مصلحة إسرائيل، أذكّرك أن الحكومة الإسرائيلية حددت ذات مرة أهداف إنهاء الحرب، وقد انعكست في خطة ترامب".
عنف المتطرفين في الضفة الغربية
"لا يمكننا ببساطة قبول هذا"، يقول ساعر بصورة لا لبس فيها عندما يُسأل عن العنف الأخير الذي يمارسه متطرفون يهود في الضفة الغربية، "بعيداً عن أنه لا يمكننا التسامح مع العنف ضد الجنود أو المدنيين، فإنه يلحق ضرراً هائلاً بالمشروع الاستيطاني كله".
لكنه انتقد الاتحاد الأوروبي قائلاً إنه يبالغ في عدد الحوادث، "لدى الاتحاد الأوروبي رواية مسبقة؛ إنه يريد دولة فلسطينية. كما أن هناك محاولة لـ'خلق قضايا جديدة' الآن بعد أن تراجع موضوع غزة قليلاً مع وقف إطلاق النار".
اتفاقات أبراهام وتركيا
"أريد أن أخبرك شيئاً مثيراً للاهتمام"، قال ساعر، "خلال عامَي الحرب، لم ينخفض حجم التجارة بين إسرائيل والإمارات بل ازداد فعلياً"، ويصف رغبة الإماراتيين في الحفاظ على الحياة الطبيعية حتى بعد 7 أكتوبر، "حافظوا على تشغيل الرحلات الجوية كالمعتاد، زرتهم علناً مرتين خلال الحرب".
والآن، بعد وقف إطلاق النار، يقول وزير الخارجية إن دولاً أخرى في اتفاقات أبراهام تعود ببطء إلى الانخراط العلني مع إسرائيل، "المغرب يُعيد الرحلات؛ البحرين ترسل سفيراً، آمل قريباً أن نرى اتصالاً أو اجتماعاً بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إنها عملية دفء تدريجية الجميع يراقب غزة ليروا ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد".
"في النهاية"، يقول الوزير، "رغم صور غزة ورغم الرأي العام في العالم العربي، لم تقطع أي دولة وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل علاقاتها، هذا أمر جدير بالملاحظة، فالعلاقة مهمة لهم أيضاً".
وأضاف: ساعر إنه يعتقد أن دولاً أخرى ستنضم إلى الاتفاقات، لكن "ذلك يتطلب صبراً وبُعداً عن وضع غزة".
وبحسب ساعر، هناك دولة واحدة في المنطقة، تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، يصعب تصور حدوث تحسن معها: تركيا، "قبل أيام فقط، أصدرت تركيا أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع وجنرالات في الجيش، إنها دولة ذات سياسة معادية لإسرائيل، لن تكون جزءاً من القوة متعددة الجنسيات في غزة وإسرائيل لن تغير موقفها".
ويكشف ساعر أيضاً أن إسرائيل أعربت عن معارضتها، في محادثات مع مسؤولين أمريكيين كبار، لاحتمال بيع طائرات F-35 لتركيا، "أعتقد أن أصدقاءنا الأمريكيين يفهمون الصعوبات التي سيسببها مثل هذا الاتفاق".
وبشأن رغبة الإدارة الأمريكية في دفع صفقات F-35 مع دول إقليمية أخرى منها السعودية، قال ساعر إن بإمكان إسرائيل شرح أهمية تفوقها الجوي، لكن هناك حداً لما يمكن لإسرائيل منعه، "يمكننا التأثير حتى نقطة معينة، الوضع ليس كما يدعي البعض ممن لديهم خلفيات معادية للسامية، أن إسرائيل تتحكم بالولايات المتحدة. الرئيس ترامب لديه مصالحه الخاصة، وهناك قضايا تختلف فيها رؤانا".
إيران
في الأشهر الأخيرة، أظهرت صور الأقمار الصناعية وتقارير متعددة أن إيران تعمل على إعادة بناء برنامجها الصاروخي والنووي، "إنهم يعملون على استعادة البرنامج، وحتى الآن يمكنهم إنتاج صواريخ باليستية إلى حد ما، ولكن بالتأكيد ليس بالمستوى الذي كانوا فيه، ولا بالمستوى الذي خططوا له"، ويقرّ ساعر بأن إسرائيل لا تتوهم أن التهديد الإيراني سيختفي، لكن في الوقت الحالي، لا تنوي إسرائيل ضرب إيران.
في نهاية المقابلة، يتناول ساعر موضوع "العام الذي يلي وقف إطلاق النار"، "يجب أن نرد على الرأي العام العالمي والانتقادات الموجهة لإسرائيل، إنها معركة صعبة للغاية".
ويكشف أنه قبيل مناقشات الميزانية، يعرف بالفعل أين يريد فتح سفارات جديدة، "في نهاية المطاف، يفهم العالم قيم إسرائيل وأهميتها ويسعى إلى علاقات أوثق".
.