خمسة مفاهيم أساسية لفهم الأزمة الهندية-الباكستانية

مركز سيمبسون ـ واشنطن

ترجمة حضارات

جذبت الأزمة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان اهتمامًا عالميًا، إلا أن التحليل الهادف يتطلّب فهمًا شاملًا للمفاهيم الاستراتيجية والتكنولوجية التي تحكم ديناميكيات الأمن في جنوب آسيا، يستعرض هذا المقال خمسة مفاهيم رئيسية تساعد الطلاب والمحللين على تفسير تطورات الأزمة: الردع، مفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار، التصعيد، أسلحة المواجهة، وإدارة الأزمات.

اتبعت الأزمة نمطًا مألوفًا لأزمات جنوب آسيا السابقة، لكنها بلغت مستويات غير مسبوقة من الشدة، فعقب هجوم إرهابي في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، شنّت الهند عملية استهدفت تسعة مواقع داخل باكستان قالت نيودلهي إنها تُستخدم من قِبل جماعات مسلّحة، تبعت ذلك جولات متعددة من الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيّرة بين الجانبين، بلغت ذروتها بعملية باكستانية استهدفت عدة قواعد عسكرية هندية.

ورغم اتفاق الطرفين لاحقًا على الامتناع عن مزيد من العمل العسكري، فإن الأزمة شكّلت فصلًا مقلقًا في التنافس بين الدولتين النوويتين، إذ وسّعت الأسلحة والاستراتيجيات الجديدة نطاق وشدة الأعمال العدائية المحتملة.

تستخدم التغطيات الإعلامية مصطلحات مثل الردع، التصعيد، إدارة الأزمات، غالبًا دون تعريف. أمّا فهم هذه المفاهيم وتطبيقها فيساعد على تقييم دوافع الأزمة وتأثيراتها المستقبلية.

أولًا: الردع

صرّح وزير الخارجية الهندي عقب العملية الأولية، بأن فشل باكستان في اتخاذ إجراءات ضد "البنية التحتية الإرهابية" استلزم عملية عسكرية "للردع والاستباق".

الردع هو استخدام التهديد لمنع خصم من اتخاذ إجراء معين، فإذا فكّر خصم في الهجوم وامتنع خوفًا من الرد، فهو "مردوع".

للردع شكلان أساسيان:

1. الردع عن طريق الحرمان

إقناع الخصم بأن هجومه لن ينجح.

مثال: دفاعات جوية قادرة على إسقاط الطائرات المعادية.

2. الردع عن طريق العقاب

تهديد بفرض تكلفة باهظة عند الهجوم.

مثال: التلويح بحملة قصف واسعة.

الردع في الأزمة الأخيرة

تسعى الهند إلى ردع الهجمات الإرهابية المنسوبة لجماعات متمركزة في باكستان، عبر تهديد بعمل عسكري تقليدي، وتردّ باكستان بقدرات عسكرية تقليدية وتهديدات نووية، اندلاع المواجهة الأخيرة يشير إلى فشل الردع من الطرفين.

رغم حديث القادة عن "استعادة الردع"، إلا أن فعالية العمليات العسكرية في تحقيق ذلك ستظل موضع تقييم طويل الأمد، وستؤثر على مستقبل الأمن الإقليمي.

ثانيًا: مفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار

بعد ظهور الأسلحة النووية، جادل منظّرون بأن امتلاكها يجعل الحرب بين الدول النووية غير مرجّحة، لكن الهند وباكستان، رغم امتلاكهما السلاح النووي، خاضتا أزمات متكررة.

مفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار  تفسّر هذا الوضع:

المستوى النووي مستقر، فلا أحد يريد حربًا نووية.

لكن هذا "الاستقرار النووي" يفتح الباب لصراعات أقل حدة، إذ يظن الطرفان أن الحرب لن تتصاعد إلى المستوى النووي.

في الأزمة الأخيرة

خلال 25 عامًا، طوّرت الهند أدوات لمعاقبة باكستان:

تعبئة 2001 الضخمة

عقيدة "البداية الباردة"

ضربات جراحية عام 2016

غارة جوية عام 2019

في الأزمة الحالية، وسّعت الهند نطاق عملها العسكري، ما يعكس ثقتها بأن الحرب لن تتصاعد نوويًا، وكذلك الأمر لدى باكستان، هذا ما يجعل المفارقة لا تزال عنصرًا أساسيًا في أمن جنوب آسيا.

ثالثًا: التصعيد

التصعيد هو ازدياد شدة الصراع. يُصوَّر كسلّم تتدرج درجاته، لكن الواقع أعقد بكثير، هناك:

تصعيد متعمّد لاستعادة الردع أو لتحقيق مكاسب ميدانية.

صعيد غير مقصود بسبب خطأ في التقدير، أو إصابة هدف غير متوقّع، أو مبادرة غير مخوّلة من جهة محلية.

التصعيد في الأزمة الأخيرة

شهدت الأزمة جولات متعددة من الردود:

هجمات صاروخية على مدن رئيسية

استهداف قواعد عسكرية

استخدام أسلحة جديدة بين دولتين نوويتين لأول مرة

أحد أخطر لحظات الأزمة كان استهداف الهند لقاعدة "نور خان" قرب مقر رئاسة الأركان الباكستانية، خشيت واشنطن أن يُفسّر الهجوم كتهديد للبنية النووية الباكستانية، فدخلت بقوة في جهود التهدئة.

رغم ثقة الهند وباكستان في قدرتهما على التحكم في التصعيد، إلا أن تعدد الفاعلين واختلاف التقديرات يجعل السيطرة على مساره أمرًا بالغ الصعوبة.

رابعًا: أسلحة المواجهة (Standoff Weapons)

استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة عبر الحدود كان سمة بارزة في التصعيد الأخير، أسلحة المواجهة هي أسلحة تُطلق من خارج ساحة المعركة، وتُستخدم عالميًا على نطاق متزايد.

تقدّم هذه الأسلحة قدرات هجوم دقيقة دون المخاطرة بالطائرات والأفراد داخل المجال الجوي المعادي.

في الأزمة الأخيرة

استُخدمت أسلحة جديدة غير مسبوقة بين الهند وباكستان، منها:

الهند:

صواريخ كروز SCALP الفرنسية

صاروخ BrahMos الهندي–الروسي

طائرات Harop الإسرائيلية المسيّرة

باكستان:

صواريخ PL-15 الصينية

طائرات YIHA التركية المسيّرة

إدخال هذه القدرات يغيّر توازن القوى ويزيد خطر سوء التفسير، خاصة لأن بعض هذه الصواريخ يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية أو تقليدية، وتحتاج دقائق فقط للوصول إلى أهدافها، مما يُضاعف احتمالات التصعيد غير المقصود.

خامسًا: إدارة الأزمات

رغم حدة التصعيد، توصّل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار المشروط. أدوات إدارة الأزمات التي تساعد على تجنب الانزلاق تشمل:

1. إجراءات بناء الثقة (CBMs): مثل الاتصالات العسكرية المباشرة، والإشعارات المسبقة للاختبارات الصاروخية، والضوابط الحدودية.

2. إدارة الأزمات عبر طرف ثالث: حين تعجز الدولتان عن تخفيف التوتر بمفردهما، قد يتدخل طرف خارجي للتوسط.

لعبت الولايات المتحدة أدوارًا مهمة تاريخيًا في إدارة الأزمات الهندية-الباكستانية (كرغيل، 2001–2002، 2008، 2019).

في الأزمة الأخيرة

استخدمت الهند وباكستان الخط الساخن بين مديري العمليات العسكرية لخفض التوتر.

لعبت الولايات المتحدة الدور الأكبر:

اتصالات وزير الخارجية الأمريكي مع قائد الجيش الباكستاني

اتصال نائب الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الهندي.

سعت السعودية وإيران أيضًا للعب دور مساعد.

رغم أهمية الوساطة الخارجية، إلا أنها قد تُشجع على المخاطرة مستقبلًا إذا اعتقد طرف أن وسيطًا دوليًا سيتدخل دائمًا لمنع الانفجار.

خاتمة

العالم أكثر تعقيدًا من أن تختزله النظريات، لكن الأطر المفاهيمية مثل الردع، ومفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار، والتصعيد، وأسلحة المواجهة، وإدارة الأزمات تقدّم أدوات لفهم الأزمات الواقعية بشكل أفضل.

ستظل ديناميكيات الهند وباكستان محطّ اهتمام، وستساعد دراسة هذه الأزمة في توقّع الأزمات المستقبلية والتخفيف من مخاطرها، ويبقى التحليل الدقيق للتطورات وفهم كيفية تشكّلها خطوة أساسية نحو إدارة أفضل للتنافس تحت المظلة النووية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025