بقلم/ سليم سليمان
جرى إقرار الخطة الأمريكية للسلام لإنهاء حرب الإبادة الصهيونية بقطاع غزة عبر مجلس الأمن بقرار 2803، الأمر الذي يمنحها شرعية دولية ويضع الأطراف أمام استحقاقات سياسية وأمنية، لكن النجاح يعتمد على عوامل معقّدة تتجاوز مجرد التصويت، علماً أن هذا القرار يأتي بعد عشرات القرارات الأممية تجاه القضية الفلسطينية بدءً بقرار التقسيم 181عام 1947م، ونهاية بقرار 2803 الخاص بإنهاء حرب الإبادة بغزة.
ان عوامل نجاح الخطة في البداية يتمثل بالإرادة الدولية لوقف الكارثة الإنسانية، وهنا إجماع دولي متزايد بوقف الحرب التي طالت كل شيء بقطاع غزة، فلم يسلم البشر والحجر والشجر منها، فقد دمر الاحتلال 90% من الوحدات السكنية عبر القصف الجوي والمصفحات المفخخة الواحدة منها تدمر عشرات المنازل، إضافة للجرافات العملاقة التي أجهزت على ما تبقى من المنازل المدمرة وتخريب البنية التحية بالكامل للقطاع، هذه الكارثة أوجدت أيضا ضغطاً دوليًا يشمل الأمم المتحدة ومؤسساتها الإنسانية، لدعم أي خطوة لوقف الحرب، بالإضافة لرأي عام عالمي يتمترس خلف مطلب وقف حرب الإبادة بقطاع غزة، كما أن قلق دول كبرى من اتساع الحرب إقليميًا الامر الذي قد يضر بمصالحها بالمنطقة، علاوة على ذلك حاجة الاحتلال لغطاء دولي لوقف الحرب، فنتنياهو يرغب وقفًا مشروطًا للحرب يسمح له بالقول أن كيانه حقق أهدافه من الحرب، مع استعادة كافة الأسرى الأحياء والأموات، فوقف الحرب قد يخفف من الضغط الدبلوماسي والمقاطعة الاقتصادية على الكيان الصهيوني، والأهم لدى الجميع أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية رغبة في استقرار المنطقة، لتجنب توسع الحرب إلى لبنان أو البحر الأحمر، وتقديم إنجاز دبلوماسي قبل الانتخابات الأمريكية النصفية، ولمنع انهيار الوضع الإنساني إلى مستوى يفجر المنطقة.
أما على الصعيد العربي والإسلامي أغلب الدول مستعدة لدعم خطة دولية لوقف النار لوضع حد للمحرقة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق المدنيين العزل بقطاع غزة، كما ترغب الدول العربية والإسلامية لمنع انفجار إقليمي لا يحمد عقباه على الأنظمة الحاكمة.
فلسطينياً الكل الفلسطيني بفصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية تسعى منذ اللحظة الأولى لوقف الحرب لكن النتن ياهو وحكومته النازية في كل مرة تُفشل الاتفاق، بحجة أنه لا يحقق لهم أهدافهم المزعومة، وقد تنازل الوفد الفلسطيني المفاوض عبر الوسطاء عن كثير من الإجراءات المهمة من أجل الوصول لاتفاق يوقف الحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني الأعزل بقطاع غزة.
كل ما سبق يعطي أمل كبير للوصول إلى وقف شامل للحرب، لكن توجد عوامل فشل قد تعترض هذه الخطة على الرغم من مصادقة مجلس الأمن عليها، منها ما يخص الاحتلال الصهيوني كرفضه وقفًا شاملًا قبل القضاء على ما يعتبره التهديد العسكري المتمثل بسلاح المقاومة، فقبول حكومة الاحتلال بتطبيق قرار مجلس الأمن قد يحدث انقساماً داخليًا بين الحكومة والمعارضة، أو داخل الحكومة نفسها، ومن جهة أخرى قد تضرب حكومة الاحتلال بالمبادرة عرض الحائط إذا رأت أنها تقيد عملياتها.
على الطرف الفلسطيني وموقف فصائل المقاومة في غزة مرتبط نجاح الخطة على موافقتها على القرار، فأي رفض لمرحلة من مراحلها قد يفشل الخطة برمتها فالمقاومة على الأرض مع الشعب تعتمد موافقتها على الخطة من منظور المكاسب الأساسية الطبيعة لكل شعب فوقف دائم للنار، مطلب أساسي، فك الحصار، وإعادة الإعمار، وقبل ذلك انسحاب قوات الاحتلال من القطاع فبدون هذه الشروط، لن توافق المقاومة، فيتعطل المسار بالتأكيد.
ومن عوامل فشل القرار وخطة ترامب، غياب آلية تنفيذ، عدم وجود قوة مراقبة دولية، وعدم وجود عقوبات لعدم الالتزام، كما أنها تعتمد التنفيذ على حسن نية الأطراف.
وفي ضوء ما تقدم، يمكن استشراف مصير هذه الخطة على الرغم مما اكتسبت من شرعية دولية، إلى ثلاث سيناريوهات: الأول نجاح جزئي يتمثل بوقف إطلاق نار مؤقت، دخول مساعدات مكثفة، استكمال تسليم الجثث بعد استكمال تبادل الأسرى الأحياء مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين وبقاء القضايا الكبرى دون حل، كالانسحاب الكامل ونزع السلاح ومشاركة القوات الدولية على الأرض.
أما السيناريو الثاني: نجاح كامل ولكن قصير الأمد ويشمل وقف شامل للقتال، انتشار مراقبين دوليين، مع بدء مسار سياسي، لكنه يتعثر بعد أشهر بسبب خلافات حول: انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني بالكامل من القطاع، ومستقبل غزة، إضافة لنزع سلاح المقاومة.
أما ثالث السيناريوهات وهو فشل الخطة بالكامل بسبب تعنت حكومة نتنياهو ومماطلتها، ورفض المقاومة شروط مجحفة قد تقزم مشروع التحرير الوطني وحق تقرير المصير المكفول من كافة المؤسسات الدولية ذات العلاقة، طبعا نتيجة لذلك سيتجدد القتال بوتيرة أعلى.
وأنا أميل للسيناريو الثاني بدرجة كبيرة في ظل تصميم الولايات المتحدة والدول الضامنة، على المضي قدما في خطة وقف الحرب على غزة برغم انتهاكات الاحتلال المتكررة لها.
على الرغم من موافقة مجلس الأمن على خطة ترامب بشأن وقف الحرب على قطاع غزة، فإن نجاحها يعتمد على توازن دقيق بين: شروط المقاومة، وحسابات الاحتلال، من جهة الضغوط الدولية وموقف الولايات المتحدة، وهنا يمكننا القول بأن نجاح الخطة ممكن، لكن نجاحها الكامل والدائم صعب ما لم تُعالج جذور الصراع مثل الاحتلال، الحصار، ومستقبل غزة السياسي.