لماذا يتفشى فيروس كورونا بالدول الغربية المتقدمة بهذه السرعة، بينما انتشاره أقل في العالم الثالث بما في ذلك العالم العربي الملاصق لأوروبا؟ لقاح قديم عمره 100 عام قد يكون السبب وراء الفارق الكبير بين انتشاره في العالمين المتقدم والثالث.
بدأت مؤسسات علمية في العديد من دول العالم اختباراً على لقاح يدعى Calmette-Guerin أو BCG الذي يستخدم لتطعيم الأطفال ضد السلّ وأمراض أخرى لاختبار قدرته على التخفيف من انتشار وشدة أعراض Covid-19.
ولقاح BCG هو لقاح بكتيري موجود منذ ما يقرب من قرن، وهو واحد من أكثر اللقاحات الحالية استخداماً، وله تأثير وقائي موثق ضد التهاب السحايا وانتشار السل لدى الأطفال، كما تم الإبلاغ عن أنه يوفر حماية واسعة للالتهابات التنفسية.
100 حالة محتملة بكورونا جاءت من مصر إلى عدد من دول العالم منها الولايات المتحدة، حسبما ذكر تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
والآن بينما الولايات المتحدة هي أكبر دولة يتفشى فيها الفيروس فإن العدد الرسمي في مصر لم يتخطَّ الألف.
وحتى لو كانت هناك حالات لم تكتشف أو لم يعلن عنها، فيفترض أنه مع الوقت لو انتشر الفيروس بمصر وأي دولة عربية بنفس المعدل في إيطاليا والولايات المتحدة فإن الأمر سيكشف سريعاً.
كما أن دول المغرب العربي ومصر قريبة من إيطاليا ولديها علاقات وثيقة وجاليات كبيرة هناك، علماً بأن هناك تقارير إعلامية مصرية في وسائل إعلام حكومية تتحدث عن عودة أعداد كبيرة من المصريين من إيطاليا إلى قراهم في الوجه البحري.
كان هذا التفاوت الهائل بين انتشار الفيروس في أوروبا والولايات المتحدة من جهة والعالم الثالث بما فيه العالم العربي من جهة أخرى محفزاً للعلماء لدراسة السر وراء ذلك.
وحدد العلماء اللقاح ضد السلّ كسبب محتمل.
اقترحت دراسة أمريكية أنه يمكن تفسير الاختلافات الوطنية في انتشار وتأثير COVID-19 جزئياً من خلال السياسات الوطنية المختلفة فيما يتعلق بتلقيح BCG أثناء الطفولة.
قارن الباحثون عدداً كبيراً من سياسات تطعيم BCG مع عدد المرضى والوفيات الناتج عن مرض COVID-19.
وقالت الدراسة التي أجراها باحثون من معهد نيويورك للتكنولوجيا: “وجدنا أن الدول التي ليست لديها سياسات لتعميم التلقيح بواسطة BCG (إيطاليا وهولندا والولايات المتحدة) قد تأثرت بشدة مقارنة بالدول التي لديها سياسات BCG العالمية وطويلة الأمد”.
وهناك 3 مستويات للتلقيح بهذا التطعيم.
المستوى الأعلى A: وهي الدول التي لديها برنامج تطعيم شامل، ويشمل هذا المستوى معظم دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، أما في أوروبا فيشمل شرق أوروبا وتركيا فقط.
المستوى المتوسط B: يشمل الدول التي اعتادت التوصية بتلقيح BCG للجميع، لكنها لا تفعل ذلك حالياً: وهي الدول التي توقفت عن تزويد أطفالها بهذا التطعيم؛ لأنها مرض السلّ قد اختفى لديها وهي معظم دول أوروبا الغربية وأستراليا.
المستوى الأدنى C: هي الدول لم يكن لديها أصلاً برامج تطعيم BCG شاملة، ومن هذه الدول: هولندا وبلجيكا، وكندا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، والدولتان الأخيرتان أكثر دولتين تعانيان المرض حالياً.
اللافت هنا أن إسرائيل تنتمي للفئة الثانية أو المتوسطة التي لم يعد لديها برنامج للتلقيح، وبالفعل مستوى انتشار المرض في إسرائيل أعلى كثيراً من محيطها العربي، رغم الإجراءات المشددة التي اتخذتها وكذلك تقدمها العلمي الذي لا تضاهيه أي من دول المنطقة.
وتظهر خريطة لانتشار التقليح أن إيطاليا هي إحدى الدول الأوروبية القليلة التي ليس لديها سياسات للتلقيح بواسطة BCG ولم يكن لديها.
لكن إيران تظهر في هذه الخريطة أنها من الدول لديها برامج لتطعيم الأطفال بلقاح BCG، فلماذا تحولت إلى إحدى أبرز بؤر المرض.
وتفسر الدراسة ذلك بأنه “كان هناك ارتباط إيجابي كبير بين عام بدء التطعيم الشامل بلقاح BCG وبين معدل الوفيات بمرض كورونا المستجد، بما يتفق مع احتمال أنه كلما كانت الدول أبكر في تعميم هذا اللقاح، زادت فرصة نجاة الجزء الأكبر من سكانها المسنين”.
وبالفعل لدى إيران سياسة تلقيح BCG معمّمة على كل الأطفال حالياً، لكنها بدأت فقط في عام 1984، ولذا لديها معدل وفيات مرتفع جراء كورونا مع 19.7 حالة وفاة لكل مليون نسمة، حسب هذا التفسير.
على النقيض من ذلك، بدأت اليابان سياستها العالمية بشأن BCG في عام 1947 وحالياً لديها وفيات أقل بنحو 100 مرة لكل مليون شخص، مع 0.28 حالة وفاة.
وبدأت البرازيل التطعيم الشامل في عام 1920 ولديها معدل وفيات أقل حتى 0.0573 حالة وفاة لكل مليون نسمة”.
خلص الباحثون في الدراسة التي أجريت بالولايات المتحدة إلى أن “الجمع بين انخفاض معدلات الاعتلال والوفيات يجعل لقاح BCG أداة جديدة محتملة في مكافحة COVID-19”.
حسب الدكتور أسامة حمدي، أستاذ أمراض الباطنية في جامعة هارفارد، فإن معظم الدول العربية مثلها مثل أغلب دول العالم الثالث ما زالت تعطي هذا اللقاح لأطفالها.
أما عن سر ظهور الفيروس في بعض الدول التي تعطي هذا اللقاح، فقد لفت حمدي إلى أن هناك عدة أنواع من هذا اللقاح، كما أن استجابات الأجسام تختلف إزاء هذا اللقاح، والأهم أن اللقاح ليس لقاحاً فيروسياً ضد مرض كورونا، بل هو مقوٍّ عام لمناعة الجسم، ويبقى تأثيره مدى الحياة، ويستخدم ضد بعض أنواع السرطان لقوة تأثيره على المناعة.
مع انخفاض عدد حالات السلّ أواخر القرن العشرين، أسقطت عدة دول متوسطة وعالية الدخل في أوروبا سياسة تعميم BCG بين عامي 1963 و2010.
يتلقى أكثر من 130 مليون طفل حالياً لقاح BCG المضاد لمرض السلّ كل عام. ويقال إن اللقاح يعزز مناعة “الخط الأمامي”.
واستناداً إلى نتائج دراسات سابقة فإن BCG يقلل من مستوى الفيروس لدى المرضى المصابين بفيروسات شبيهة مثل SARS-CoV-2.
تم استخدام اللقاح لعقود للحماية من السل ويتضمن نسخة ضعيفة من بكتيريا Mycobacterium bovis.
قبل اندلاع الفيروس التاجي الجديد الذي يدمر العالم، كان الباحثون يحرزون تقدماً ثابتاً في استكشاف إمكانات BCG.
وأثبت اللقاح على نطاق واسع قدرة متزايدة على تقديم فوائد خارج أهدافه الأساسية.
فهو ليس فقط علاجاً مناعياً شائعاً لسرطان المثانة في مرحلة مبكرة، بل يبدو أيضاً أنه يقوم بتدريب الخط الأول للدفاع المناعي في الجسم لمحاربة العدوى بشكل أفضل.
وأظهرت الدراسات التي أجريت على الرضع في إفريقيا أن لقاح BCG يوفر الحماية ضد السل وعدوى الأطفال الأخرى، ربما من خلال تعزيز نظام المناعة الفطري في الجسم، على وجه التحديد تعزيز خلايا الدم البيضاء التي تستهدف مسببات الأمراض التي لم يحددها الجسم بعد قبل أن تبدأ استجابة الأجسام المضادة في العادة بعد أيام .
والآن، بدأت مؤسسات علمية في العديد من دول العالم، أبرزها أستراليا وهولندا، اختباراً على لقاح BCG لاختبار قدرته على التخفيف من انتشار وشدة أعراض Covid-19.
ويجرى باحثون في معهد أبحاث مردوخ للأطفال في أستراليا تجربة سريرية عشوائية متعددة المراكز لاختبار استخدام لقاح السل BCG ضد Covid-19.
كما تجرى تجارب مماثلة في بلدان أخرى بما في ذلك ألمانيا والمملكة المتحدة.
ويشارك في التجربة الأسترالية الخاضعة للرقابة والتي بدأت أمس الإثنين 30 مارس/آذار 2020 ما يقرب من 4000 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات في جميع أنحاء أستراليا، بما في ذلك مستشفى ملبورن الملكي للأطفال.
ويأمل الباحثون الأستراليون أن تؤدي إدارة اللقاح وتعزيز “المناعة الفطرية” إلى شراء وقت كافٍ لتطوير العلاجات واللقاحات المتخصصة، فهو ليس تطعيماً مانعاً للمرض.
ستحدد عينات الدم المأخوذة في بداية ونهاية التجارب التي يجريها العلماء من أصيب بفيروس كورونا، كما سيسجل المشاركون أي أعراض خلال فترة التجربة. ستراجع لجنة مراقبة البيانات في الدراسة النتائج بعد ثلاثة أشهر للبحث عن أي علامات تدل على أن اللقاح فعّال في مواجهة كورونا .
وسيتم تقييم قدرة لقاح BCG على التخفيف من انتشار وشدة أعراض مرض كورونا المستجد.
تقول منظمة الصحة العالمية إنه من المهم معرفة ما إذا كان لقاح BCG يمكن أن يقلل من المرض لدى المصابين بفيروس كورونا.
وتشجع المنظمة المجموعات الدولية على التعاون مع الدراسة التي يقودها نايجل كيرتس، رئيس قسم أبحاث الأمراض المُعدية، في معهد مردوخ لأبحاث الأطفال في ملبورن بأستراليا.
وقال كورتيس، وهو أيضاً أستاذ الأمراض المعدية للأطفال، هذا اللقاح الرخيص يمكن أن يعزز جهاز المناعة حتى يتمكن من الدفاع بشكل أفضل ضد مجموعة كاملة من أنواع العدوى المختلفة، ومجموعة كاملة من الفيروسات والبكتيريا المختلفة بطريقة أكثر عمومية”.
ويضيف أن الأولوية ستكون للعاملين الصحيين الذين هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس التاجي أثناء رعاية المرضى.