تعريف الانقسام وفرص وسيناريوهات إنهائه

د. إبراهيم أبراش

دكتوراة في القانون العام

ما سنتناوله في بحثنا هذا هو إعادة التأكيد على وجود مغالطات وتشويه لحقيقة ما يجري تحت مسمى الانقسام وحوارات المصالحة، والخلل يكمن في تشخيص المشكلة حيث يتم التعامل مع الموضوع وكأن الانقسام حدث نتيجة خلافات فلسطينية داخلية والفلسطينيين يتحملون مسؤولية الانقسام وتداعياته وهم الذين يستطيعون إنهائه بمصالحة بينهم! 
وللأسف انساقت أطراف فلسطينية وراء هذا التضليل مما أدخل الحالة الفلسطينية و حوارات المصالحة في دوامة من العبثية، فلو كان الانقسام مجرد خلاف بين حركتي فتح وحماس لكانت عشرة سنوات من حوارات المصالحة بواسطة أكثر من دولة عربية وغير عربية كفيلة بحل هذه الخلافات وإنهاء الانقسام.
ولأن التشخيص الصحيح للمشكلة بمثابة قطع نصف الطريق في حلها فإن سيناريوهات مستقبل الانقسام يجب أن تبنى على حقيقة أنه مخطط إسرائيلي استراتيجي وجزء من مشروع تسوية لتصفية المشروع الوطني، لذا فإن إنهائه لا ينفصل عن المواجهة الشاملة ضد الاحتلال ومشاريع التسوية التي تهدف لتصفية القضية الوطنية. وعليه من الممكن أن تكون حوارات انهاء الانقسام فرصة لإعادة بناء المشروع الوطني برمته. 

أولا: في تعريف الانقسام وأطرافه 
1- مغالطة مصطلح (طرفي الانقسام) 
قبل الاستطراد يجب أن ننوه بأن مصطلح (طرفي الانقسام) روجته بعض قوى اليسار الفلسطيني لتبرئ نفسها من المسؤولية وتُخرج نفسها من المعادلة، وأصبح الكُتاب يستعملون المصطلح دون تدقيق أو بحث في دقته، حتى الإعلام الإسرائيلي والغربي تعامل مع هذا المصطلح من منطلق أنه يساعد على إخفاء حقيقة ما يسمى بالانقسام ويتجاهل دور إسرائيل الرئيسي في الانقسام، كما أنه مصطلح يُحمل مسؤولية الانقسام للفلسطينيين أنفسهم. 
حتى لو أردنا اختزال الانقسام بأدواته الفلسطينية فإن طرفي الانقسام ليسا فتح وحماس بل حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ لأن حركة حماس انقلبت على سلطة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير وعلى المشروع الوطني، وأحزاب اليسار جزء من منظمة التحرير ومن المشروع الوطني، أو هكذا مفترض.
ما جرى ويجري أكبر من مجرد خلاف بين فتح وحماس، فهاتان الجهتان مجرد طرفين أو لاعبين في صناعة الانقسام مع تباين حجم الدور وأهميته، وسيكون من العبث الاستمرار في الحديث عن (طرفي الانقسام) ومطالبتهما بإنهاء الانقسام بمعنى إعادة توحيد الضفة وغزة في إطار سلطة وحكومة واحدة، والتغاضي عن جوهر المشكلة وأطرافها الفاعلة الأخرى، فللانقسام أطراف متعددة دولية وإقليمية وفلسطينية. 
قيادات كبيرة في فتح وحماس تعرف الحقيقة لكنها تخفيها؛ لتخفي تقصيرها أو تواطؤها في صناعة الانقسام بداية، وعجزها لاحقا عن إنهائه. 
2- الانقسام مخطط كامن في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي 
البدايات لم تبدأ مع سيطرة حماس على قطاع غزة بالرغم من أن مصطلح الانقسام لم يظهر إلا بعد هذه السيطرة. ما أقدمت عليه حركة حماس يوم الرابع عشر من يونيو 2017 كان خطوة في سياق مخطط أشمل تم تهيئة المسرح له مسبقاً. 
منذ انطلاق تسوية أوسلو لم يكن واردا عند الإسرائيليين أن تكون دولة فلسطينية تجمع غزة والضفة بل كانت إسرائيل تخطط لدولة غزة فقط، والكل يتذكر أن بدايات أوسلو كانت تحت عنوان "غزة أولا" ثم "غزة وأريحا أولا" ثم جاءت مرحلة تقسيم مناطق السلطة إلى أ . ب . ج ومرحلة إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق، وقد أفشلت ودمرت إسرائيل كل جهود الرئيس أبو عمار لدمج الضفة وغزة وتسهيل التواصل بين أهل غزة والضفة واعاقت الممر الآمن ودمرت لاحقا مؤسسات السلطة واجتاحت الضفة 2002 وحاصرت الرئيس أبو عمار واغتالته، وما ساعد إسرائيل في ذلك: الخلافات الفلسطينية الداخلية، فساد وخلل في أداء السلطة، وجود حركة حماس خارج إطار منظمة التحرير وخارج السلطة وتطلعها للحلول محل المنظمة، انتشار الفوضى في قطاع غزة حيث انتشرت الجماعات المسلحة خارج الأجهزة الأمنية وعمليات الخطف والسرقة والتغول على السلطة، كل ذلك بأيادي من داخل السلطة ومن حركة حماس التي لم تكن تعترف بالسلطة وترفض الخضوع لها.
كانت خطة الفصل أو الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد والتي تم الحديث عنها في مؤتمرات هرتسيليا منذ عام 2000 إلى مؤتمر 2003 حيث أعلن شارون عن خطته بالانفصال وفك الارتباط والخروج من قطاع غزة وتم تنفيذها فعليا من طرف شارون خريف 2005 لحظة فارقة في صناعة الانقسام، ولو لم ينسحب شارون من غزة ما استطاعت حركة حماس السيطرة على القطاع عسكريا في يونيو 2007، وقبل أن تنسحب إسرائيل من داخل قطاع غزة هيأت الظروف في القطاع وعلى مستوى السلطة الفلسطينية لينتج الانسحاب مفاعيله كما تريدها إسرائيل وهي تدمير المشروع الوطني وخلق فتنة فلسطينية داخلية.
كانت الأمور تسير قُدما نحو الفصل وتسليم غزة لبعض القيادات من داخل منظومة السلطة الوطنية، ومَن تابع الأوضاع الميدانية في قطاع غزة خلال السنوات 2002 – 2005 كان يلمس بأن أمرا ما يتم تهيئته للقطاع، حيث حالة الفوضى تستشري وأجهزة السلطة الأمنية لا تتلقى رواتب وأسلحتها محدودة ويتم تفريغها من مقاتليها، وميليشيات تنبت كالفطر خارج إطار السلطة، وحركة حماس تصنع دولة داخل دولة وتتهيأ لفرض مشروعها السياسي الديني البديل لمشروع منظمة التحرير الفلسطينية. 
بالإضافة إلى ذلك كانت الخلافات الفلسطينية الداخلية تتفاقم ويتم تغذيتها من أطراف خارجية. خلافات بين أبو عمار وتيار من داخل فتح، واتهامات متبادلة حول فساد السلطة وضرورة الإصلاح، و صراعات وصدامات أصبحت شبه يومية ما بين مقاتلي حركة حماس من جهة ومقاتلي حركة فتح وأجهزة السلطة من جهة اخرى، ووفد أمني مصري عاجز عن وقف الصدامات، ولكن أخطر مظاهر الانقسام الفلسطيني هو الانقسام ما بين مشروع وطني عنوانه منظمة التحرير الفلسطينية ومشروع إسلامي إخواني عنوانه حركة حماس.
3- الانقسام في سياق معادلة إسرائيلية إقليمية دولية 
حتى 2004 كان مخطط الفصل مخطط إسرائيلي بالأساس، ولكن بدءا من ذاك العام التقت المصالح والرؤية الإسرائيلية مع الرؤية الامريكية ليصبح مخطط فصل غزة عن الضفة يشكل مصلحة مشتركة للطرفين بالإضافة إلى أطراف إقليمية. كان التقاء المصالح والرؤية بسبب حدوث تحول في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، عندما قررت واشنطن تطوير حملتها لمحاربة الإرهاب التي دشنتها بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 لتدخل عليها سياسة (الفوضى الخلاقة) في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير 2004 وهو المشروع الذي كان يتطلب استراتيجية جديدة تعتمد أساسا على قوى محلية جديدة بديلا عن الأدوات والقوى القديمة التي شعرت واشنطن أنها استنفذت أغراضها وباتت عائقا أمام السياسة الأمريكية الجديدة. 
هذه الأدوات الجديدة هم جماعات الإسلام السياسي المعتدل وخصوصا الإخوان المسلمين الحلفاء التقليديون للغرب منذ منتصف القرن الماضي، حصان طروادة في هذا السياق. 
لم تكن فلسطين بعيدة عن هذا الشرق الأوسط الكبير بل قررت واشنطن وتل أبيب تدشين المشروع بداية من فلسطين وفي قطاع غزة حيث وجود حركة حماس الإخوانية أكثر بروزا ، وكانت قطر ومن خلال وزير خارجيتها آنذاك عراب هذا المخطط ، حيث باشر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير خارجية قطر اتصالات مكثفة مع قيادة الإخوان المسلمين وأقنعوهم بأن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين أكثر من قطاع غزة وعلى الجماعة أن تُقنع حركة حماس بالأمر، وأن على حركة حماس أن تعيد النظر بسياساتها تجاه إسرائيل وتوقف عملياتها العسكرية وخصوصا العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل، وتهيئ نفسها لدخول النظام السياسي حتى تكون مستعدة لحكم قطاع غزة .
جرت اتصالات مباشرة ما بين قطر وحركة حماس في الدوحة حيث كانت تقيم قيادة حماس بعد خروجها من الأردن من جهة، ومسئولين إسرائيليين من جهة أخرى، كما زار وزير خارجية قطر إسرائيل أكثر من مرة، بالإضافة إلى اتصالات بين قيادات من حماس وشخصيات سياسية أوروبية، كان هدفها التأكد من استعداد حماس لدخول النظام السياسي من بوابة الانتخابات والاستعداد لاستلام قطاع غزة. 
وهكذا في ديسمبر 2004 شاركت حماس في الانتخابات البلدية في مناطق السلطة وكان واضحا حضورها الكبير في الشارع الفلسطيني، وفي خريف 2005 خرج الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بمقتضى خطة شارون للانسحاب من طرف واحد ولكن بتنسيق خفي مع قيادات فلسطينية- محمد دحلان- أشرفت ونسقت عملية الانسحاب من غزة، وفي يناير 2006 جرت الانتخابات التشريعية التي بذلت واشنطن كل جهودها بل وضغوطها على الرئيس أبو مازن لإجراء الانتخابات بعد عشر سنوات من التوقف وفي أجواء كانت شعبية حماس واضحة وفي تزايد وسمعة السلطة في الحضيض، وهي الانتخابات التي كانت محرمة عند حماس وأصدرت فتاوى عام 1996 بتحريم المشاركة في الانتخابات، وفي يونيو 2007 سيطرت حماس على قطاع غزة.
4- عبث حوارات مصالحة تسعى لعودة الأمور إلى ما كانت عليه 
هكذا تمت صناعة الانقسام ومن خلال ما سبق فإن أطراف الانقسام متعددة، وبالتالي فإن إنهائه – بمعنى إنهاء فصل غزة عن الضفة والعودة لوضع سلطة واحدة وحكومة واحدة في الضفة وغزة كما كان الأمر قبل 2005 -يحتاج لمعادلة شبيهة .
سيكون من الخطورة البقاء ساكتين إلى حين حدوث متغيرات ومعادلات دولية جديدة، أو رهن مصير الشعب الفلسطيني بإعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة أو المطالبة بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقسام، لأن السلطة بحد ذاتها نتاج اتفاقية أو تسوية أوسلو التي لم تعد تعترف بها إسرائيل ولكنها تأخذ منها ما يناسب مصالحها؛ ولأن إسرائيل لن تُعيد احتلال قطاع غزة ووصله بالضفة الغربية، ولأن فلسطين أكبر من الضفة وغزة وشعبها يتجاوز سكان الضفة وغزة، وبالتالي الإصرار على عودة الأمور إلى ما قبل الانقسام تفكير إما جاهل أو مخادع ، ليس فقط لأن إسرائيل لن تسمح بذلك بل أيضا لأن ما طرأ من تغييرات سواء على الوضع في قطاع غزة أو الوضع في الضفة والقدس يجعل من الصعب عودة الأمور إلى ما كانت عليه .
ثانياً: سيناريوهات و فرص إنهاء الانقسام 
أي حديث عن انهاء الانقسام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التداعيات المترتبة عن الانقسام وسيطرة حماس على غزة، ومآل عملية التسوية السياسية وحل الدولتين، وصفقة القرن والتطبيع العربي وكلها أمور ما كانت تحدث بهذه المأساوية لو لم يحدث الانقسام. 
هناك فرق بين انهاء الانقسام في ظل التمسك بحل الدولتين والتسوية السياسية والسلطة من جانب وإنهاء الانقسام في سياق التحرر من الاتفاقات الموقعة والسلطة والإقرار بفشل حل الدولتين من جانب آخر، كما من الممكن التفكير بالحفاظ على المشروع الوطني والوحدة الوطنية حتى في ظل الفصل الجغرافي ما بين غزة والضفة وهذا يعني أن تشكل حوارات المصالحة فرصة لتجديد المشروع الوطني.
وبالتالي فإن الاحتمالات المتوقعة في هذا السياق:
1- مستقبل الانقسام في ظل وجود واستمرار السلطة الوطنية
انطلاقاً من المقاربة السابقة للانقسام فإن مستقبل النظام السياسي الفلسطيني والفرص الممكنة للتعامل مع الانقسام في هذه الحالة ستبقى محدودة لأن الانقسام – فصل غزة عن الضفة-كما ذكرنا لم يعد، ولم يكن بالأساس، شأنا فلسطينيا خالصا حتى يتم تجاوزه بقرار فلسطيني، وفي هذه الحالة فالاحتمالات والفرص المتاحة هي:
أ‌- تحريك عملية التسوية السياسية والعودة للمفاوضات 
وحدة غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة ليس معطى تاريخي كان واقعًا أو نتيجة إنجاز أو إرادة فلسطينية خالصة حتى يستعيدها الفلسطينيون بإرادتهم واتفاقهم مع بعضهم البعض؛ فلم يسبق أن كانت دولة في غزة والضفة. كانت غزة والضفة متحدتين ومتواصلتين فقط في ظل الاحتلال البريطاني قبل 1948 في سياق المجتمع الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني وفي ظل الاحتلال الصهيوني بعد 1967. 
مشروع التسوية هو الذي أسس لكيان سياسي في غزة والضفة عام 1994، والسلطة منبثقة من اتفاق أوسلو ومقيدة بشروطها حتى الآن بالرغم من قرار القيادة بأنها (في حل من الاتفاقات الموقعة)، وبالتالي المصالحة التي تُعيد توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة لن تتحقق بدون تحريك ملف التسوية السياسية والالتزام بالاتفاقات الموقعة، إلا إذا امتلك الفلسطينيون القوة لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة وغزة.
توحيد السلطة والحكومة في غزة والضفة أو ما تبقى منها في ظل موازين القوى الراهنة وفي ظل المشهد العربي والإقليمي لن يكون إلا في إطار مشروع تسوية سياسية تحت رعاية أمريكية أو في سياق تسوية دولية توافق عليها واشنطن وتل أبيب.

ب- إدارة مؤقتة للانقسام 
وذلك من خلال توحيد الجهود الوطنية ميدانيًا بطريقة عقلانية ومحسوبة للحفاظ على درجة من الاشتباك مع الاحتلال مع الحفاظ على ما تم انجازه، كوحدة منهج التعليم ووحدة التشريعات القانونية، والالتزام بالقانون الأساسي للسلطة، ووقف التحريض الإعلامي، والحفاظ على وحدة الأطر النقابية والمهنية، والحفاظ على استقلالية الجامعات الخ، وهذا يعني استمرار الأمور على حالها من حيث وجود سلطة وحكومة في الضفة لها شرعية وطنية نظرياً على الكل الفلسطيني وواقعيا على الضفة أو بعضها، وسلطة وحكومة لحركة حماس في قطاع غزة المحَاصَر مع هدنة أو حالة الا حرب والا سلم، وذلك للحفاظ على الذات الوطنية إلى حين حدوث تحول في التوازنات الإقليمية والدولية واتضاح معالم تسوية سياسية قادمة.
ج-نظام فدرالي بديل عن الانفصال 
حتى لا تنزلق الأمور إلى كيانين فلسطينيين متعاديين مع بعضهما البعض وكلاهما متعارض بل ومهدِد للمشروع الوطني وقد يقتصر الأمر على دولة في غزة ستكون مقبرة للوطنية الفلسطينية وساحة صراع مفتوح حول من يحكم غزة !!!، فإن المصلحة الوطنية تحتم التفكير بحلول إبداعية تقطع الطريق على دولة غزة التي ستكون مقابل التخلي عن الضفة والقدس وحق المقاومة وتقطع الطريق على الذين يتذرعون بالفصل الجغرافي بين غزة والضفة واختلاف الخصوصيات لتكريس الانفصال التام، وذلك من خلال نظام أو دولة فلسطين الاتحادية حاليا بين الضفة وغزة.
وقبل توضيح معنى الفدرالية نذكر بأن حوالي 33 من دول العالم دول فدرالية كالهند وسويسرا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية الخ ونظامها الفدرالي لا يتعارض مع وحدة الأرض والشعب؛ بل يعززها من خلال منح بعض الصلاحيات للولايات لإدارة أمورها المحلية.
فلسطين الفدرالية ليس لشرعنة الانقسام السياسي بل تأتي ردا على مخطط إسرائيل ومن يتواطأ معها لفصل غزة عن الضفة وتدمير المشروع الوطني، كما أنها تحافظ على تواصل ووحدة الشعب الفلسطيني. 
النظام الفدرالي يعني التعايش والترابط الوطني بين أبناء الشعب الواحد في ظل وجود تباينات فرضتها الجغرافيا أو التاريخ أو الثقافة، وفي الدولة الفدرالية يتم منح الأقاليم صلاحيات تدبير الشأن المحلي بما يتناسب مع ظروفها وخصوصيتها ولكن تحت إشراف ومراقبة الحكومة المركزية وبما لا يتعارض مع دستور الدولة الملزم للجميع.
وفي النظام الفدرالي أو الاتحادي لا يجوز لأي إقليم بشكل منفرد إعلان الحرب أو توقيع اتفاقات سلام وأية تعاقدات ومعاهدات خارجية، وليس لها حق التمثيل الدبلوماسي المستقل وليس لها حق الانفصال أو الاستقلال عن الدولة المركزية إلا من خلال استفتاء شعبي عام منصوص عليه بالدستور.
عندما يرفض الجميع مؤامرة دولة غزة، وعندما تتولد قناعة باستحالة خيار الدولة الواحدة على كامل فلسطين الانتدابية، وعندما يصبح خيار حل الدولتين بمعنى قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة مقابل دولة إسرائيل مستحيلاً، فما الذي يمنع التفكير بالفدرالية بين غزة والضفة بحيث يكون هناك حكومة وحدة وطنية محلية في قطاع غزة وحكومة وحدة وطنية محلية في الضفة، وللحكومتين مرجعية مركزية قد تكون منظمة التحرير الفلسطينية بعد تفعيلها و انضواء الجميع فيها أو مجلس تشريعي بعد إجراء الانتخابات، كما يكون لها رئيس واحد ودستور واحد .
هذا تفكير استراتيجي ربما لا ترغبه النخب السياسية المستفيدة من الوضع القائم وغير المهيأة للتفكير خارج الصندوق، كما قد يقول قائل إننا لسنا دولة حتى تكون فدرالية. 
من المؤكد أننا لسنا دولة ذات سيادة ولكن هناك اعتراف دولي بفلسطين دولة مراقب بالأمم المتحدة، وهناك سفارات وممثليات خارجية، وهناك حكومتان وسلطتان في الضفة وغزة، وهناك دستور أو قانون أساسي، وقد سبق أن أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية وجرى تعديل القانون الأساسي عام 2003، لذا وفي ظل هذه المعطيات يمكن التعامل مع الفدرالية كدولة أو نظام مع تحويرات تناسب الخصوصية الفلسطينية.
نتمنى من كل المفكرين والمثقفين والحقوقيين والوطنيين عموما التفكير بهذا الحل الذي قد يحافظ على شعرة معاوية ما بين الضفة وغزة، وإن لم يحدث ذلك فدويلة غزة المسخ ستقوم قريبا مما سيصاحب قيامها من صدامات وربما حربا أهلية ونهاية فكرة الدولة المستقلة في غزة والضفة وعاصمتها القدس.

2- إنهاء الانقسام من خلال الخروج من مربع التسوية السياسية وحل الدولتين 

وهذا خيار صعب ويحتاج لإرادة وطنية موحدة للخروج من مربع السلطة والاتفاقات الموقعة ومن المراهنة على حل الدولتين من خلال عملية سلمية، والانتقال إلى حالة تحرر وطني بأهداف ووسائل نضالية جديدة أو بمعنى آخر تجديد المشروع الوطني. 
السيناريوهات المتوقعة أو الممكنة لهذا الخيار: 
أ-الانتقال من حالة سلطة الحكم الذاتي إلى إعلان الدولة المستقلة وفرض السيادة على كامل أراضي الضفة وغزة، بما قد ينتج عن ذلك من مواجهة مع الاحتلال قد تؤدي لإنهاء وجود السلطة.
ب-الخروج من مربع حل الدولتين واعتماد هدف فلسطين الواحدة التي تشمل كل فلسطين – الضفة وغزة وأراضي 48 -. 
بما قد يترتب على ذلك من ارباك في الدبلوماسية الفلسطينية وتخلي عن قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحل الدولتين، أيضا سينتج عن ذلك إنهاء السلطة الفلسطينية. 
ج_ الالتفاف على الانقسام بوحدة وطنية في إطار منظمة التحرير
تفعيل منظمة التحرير لتستوعب جميع القوى السياسية، هذه المصالحة قادرة وحدها على تصويب المسار الوطني وملء الفراغ في حالة انهيار السلطة أو فشل خيار حل الدولتين، ونذكر هنا أن المشروع الوطني المعاصر عندما تأسس مع منظمة التحرير عام 1964 كانت توجد حالة فصل ما بين غزة والضفة وأراضي 48 والشتات وعندما تم تجديد وتوطين المنظمة في ولادتها الثانية 68-69 لم تكن هناك سلطة وطنية وكان مركز الثقل ومركز المشروع الوطني خارج فلسطين. 
وقد يترتب على ذلك العودة لحالة التحرر الوطني والمقاومة بكل أنواعها، وهو خيار يترتب عليه أيضا تداعيات مثل نهاية السلطة الوطنية وارباك مع دول العالم والمنتظم الدولي.

مع أن هذه الخيارات تجد قبولاً من بعض المثقفين والنخب وقد تؤدي لإعادة استنهاض الحالة الوطنية إن تم اتخاذ أي قرار بشأنها في سياق وحدة وطنية، إلا أنه من المشكوك فيه أن تأخذ بأي منها القيادة الفلسطينية التي مازالت تتمسك بخيار التسوية السياسية، حتى حركة حماس وبقية الفصائل غير مستعدة لقبولها وقد لاحظنا كيف أن قرار تشكيل (القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية) الذي تم اتخاذه في لقاء الأمناء العامون للفصائل يوم الثالث من سبتمبر الماضي ولد ميتا كما أن كل ما جرى في القدس والضفة لم يثني حماس عن اتفاق الهدنة مع إسرائيل .
 والأهم من ذلك فمن غير المؤكد أن يؤدي أي من هذه الخيارات أو السيناريوهات لإعادة توحيد غزة والضفة لأن إسرائيل لن تعود لاحتلال قطاع غزة وإن عادت فسيكون إجراء عسكرياً وأمنياً للقضاء على المقاومة ثم تسليم القطاع لطرف موالي لإسرائيل للحفاظ على عملية الفصل. 
الخاتمة
إن استمرت مكونات النظام السياسي تتعامل مع الأزمة وكأنها أزمة خلاف بين فتح وحماس على الانتخابات والحكومة والأجهزة الأمنية والمحاصصة الوظيفية الحكومية، فستبقى المعالجات في إطار التسوية واتفاقات أوسلو أو لإدارة الانقسام حتى وإن صرحت القوى السياسية غير ذلك، ومصير الانقسام قيام دولة في قطاع غزة. 
أما المراهنة على الانتخابات للخروج من المأزق، فمع تأكيدنا على أهمية الانتخابات إلا أنها وحدها لن تنهي الانقسام ولكنها بالتأكيد إن تمت بتوافق من الجميع وبمشاركة شعبية واسعة وأدت لتجديد الوجوه قد تقوي الموقف الفلسطيني؛ لمواجهة مخطط الفصل والانقسام.
Ibrahemibrach1@gmail.com

____________________________________
بحث تم تقديمه وعرضه في أعمال المؤتمر السنوي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية بالشراكة مع معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان بعنوان "المشروع الوطني الفلسطيني: إعادة بناء أم تجديد؟" وذلك في نوفمبر 2020 عبر تقنية الزوم .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023