أ. أحمد إحمود الجعل/ باحث في العلاقات الدولية
مقدمة
دخل السودان العام الحالي 2022م مثقلا بأزمات العام المنصرم، إذ ترك عام 2021 تركة ثقيلة من الأزمة السياسية التي عصفت بالسودان، منذ تعثر المرحلة الانتقالية، بإقالة الحكومة وحل مجلس السيادة في 25 أكتوبر 2021، حيث سيطر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية، التي كان يتولى فيها منصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وأعلن في خطاب متلفز بثه التلفزيون الرسمي، حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، بجانب تعطيل العمل بعدد من نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، بالإضافة إلى إنهاء تكليف ولاة الولايات ووكلاء الوزارات، وتكليف المديرين العامين بالولايات والوزارات بتسيير العمل، بالإضافة إلى تجميد عمل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال، واستبق البرهان ذلك، باعتقال أعضاء مجلسي السيادة الوزراء المدنيين من تحالف الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم بالشراكة مع المجلس العسكري وقتها)، بجانب عدد من قيادات التحالف، ووضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، قيد الإقامة الجبرية، مما أثر على الشراكة بين المكون المدني والعسكري وذلك على النحو التالي:
أولا: الواقع السياسي الداخلي
طبيعة النظام الحاكم
كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس 2019 مرحلة انتقالية من المفترض أن تستمر 53 شهرا، تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، وكان مقررا أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاقية سلام عام 2020.
فبعد سيطرة الجيش على الحكم في 25 أكتوبر (2021)، توالت الدعوات الدولية والإقليمية وردات الفعل الرافضة له، من أجل إعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي، والشراكة بين المكون العسكري والمدني، اللذين أدارا الحكم في البلاد منذ العام 2019، وقد سارع الاتحاد الإفريقي إلى تعليق عضوية السودان، وكذلك أدانته الأمم المتحدة وطالبت بالإفراج الفوري عن المعتقلين، بالإضافة إلى التظاهرات التي خرجت في شوارع الخرطوم احتجاجا على سيطرة الجيش وإقصاء الجانب المدني من السلطة الحاكمة.
فتم على إثر ذلك توقيع الاتفاق السياسي بين رئيس الوزراء السابق (المستقيل) عبد الله حمدوك والقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان يوم 21 نوفمبر 2021م، ولغاية الآن هناك تعثر كبير في تشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية.
الحرك الثوري "صراع مستمر"
استمرت المظاهرات السلمية التي انطلقت منذ 25 أكتوبر رفضا لسيطرة الجيش على الحكم، وظلت متواصلة إلى الآن، ولها أهداف محددة وهي إنهاء الحكم العسكري والوصول إلى دولة مدنية كاملة، ومع مطلع العام الحالي اعلنت اللجان الشعبية التي تقود الحراك الثوري بالشارع السوداني عن تصعيد "الحراك الثوري السلمي الرافض لتدخل الجيش في العملية السياسية، للمطالبة بمدنية الدولة، وتقابله السلطة الحاكمة بالقوة العسكرية.
التحالفات السياسية
معظم التحالفات السياسية بين الأحزاب والقوى السودانية التي لا تلبث أن تتغير بتغير مجريات الأحداث؛ لأنها تحالفات وقتية تبنى على صيغة "الحد الأدنى" من التوافق؛ وهو ما يصعب من استمرارها، لذا سرعان ما تنفض حينما يصل كل طرف لمبتغاه؛ لأنها لا تستند على مبادئ فكرية صلبة وإنما تنبني على مواقف براغماتية وقتية؛ لذلك لا تصلح كصيغة للعمل السياسي في بلد لم تنهض فيه العملية السياسية على مبادي دستورية متفق عليها.
لذا يعتبر تحالف أحزاب "لجان المقاومة" وكذلك كيان "غاضبون بلا حدود"؛ بالإضافة إلى تحالف قوى التغيير الجذري" الجديد بزعامة الحزب الشيوعي، هما آخر الائتلافات السودانية التي تشكلت بهدف إسقاط الحكومة العسكرية وتأسيس سلطة مدنية كاملة.
المبادرات المحلية والإقليمية
طرحت منذ 25 أكتوبر/ العام الماضي، العديد من المبادرات المحلية من غالبية الأحزاب لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين السودانيين، مثل (مبادرة "الجبهة الثورية"، ومبادرة " مدراء الجامعات السودانية" ومبادرة "دولة جنوب السودان" و"خارطة الطريق" لحزب "الأمة القومي" لكن جميعها لم تسفر عن أي حلول، وكأن الأزمة السياسية في السودان عصية على الحل.
وشددت الأمم المتحدة، بعد الترحيب بالاتفاق الذي وقع بين رئيس الوزراء السابق (المستقيل) حمدوك والبرهان، على" الحاجة لحماية النظام الدستوري من أجل حماية حرية العمل السياسي، وحرية التعبير والتجمع السلمي، فتقدمت بمبادرة الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية سميت "إيغاد"، وهي المبادرة الأكبر ذات الدعم الدولي، وانطلقت عملية الحوار المباشر برعاية أممية إفريقية في 8 يونيو/ الماضي، لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وفي 12 من الشهر ذاته أعلنت الآلية الثلاثية تأجيل جولة الحوار الثانية إلى موعد يحدد لاحقا، لأنها وجهت بعقبات داخلية.
وآخرها مبادرة أهل السودان الذي قادها الشيخ الطيب الجد والتي عقدت في منتصف أغسطس الماضي، على مائدة مستديرة ضمت قرابة 120 حزبا ومكونا سياسيا وقوى مجتمع مدني وطرق صوفية وحركات مسلحة، إلا أنها تواجه تحديات كثيرة من بينها افتقادها للدعم الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى قادة قوى "الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي"، الذي تراها مدخلا لمزيد من التعقيد في الساحة السياسية ويعتبرون العسكر يقفون ورائها، بينما يعدها نظراؤهم في قوى "التوافق الوطني" أن المبادرة الجديد يمكنها إحداث اختراق حقيقي في الساحة السياسية، وأن النص بالإبقاء على علاقة متزنة مع العسكر جاء من باب الحرص على استقرار الفترة الانتقالية.
ومن الملاحظ أن كل مبادرة جديدة تأتي ناسفة لما قبلها، مما يضعف حالة التوافق، فمعظم المبادرات المقدمة، عامل القومية والقبلية والحزبية والدينية مؤثر بها بشكل كبير، لذا أي مبادرة لا تقف على مسافة واحدة من جميع القوى المدنية والسياسية، وتمتلك رؤية ومنهجية لإدارة حوار شفاف لن تحقق أي نتائج.
تصاعد العنف الداخلي
نتيجة لحالة الانسداد بالأفق السياسي بين المكونات المدنية والعسكرية للمجتمع السوداني، أثرت بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي، مما مهد الطريق للفلتان الأمني ولعمليات النهب والسرقة الكبيرة في الخرطوم، بالإضافة إلى إذكاء نار الفتنة والنزاعات القبلية في العديد من المناطق، خاصاً في ولايتي غرب وجنوب دارفور على الأراضي الخصبة خلفت قرابة 200 قتيل في مارس من العام الحالي، وكذلك ولاية النيل الأزرق، بين قبائل الفونجا والكوسا خلفت ما يزيد عن مائتين من القتلى ومئات الجرحي وآلاف النازحين حسب وزارة الصحة في الولاية، وكذلك مكتب الأمم المتحدة في السودان (أوتشا).
الفيضانات
وكنتيجة طبيعية لعدم قيام الحكومة الانتقالية "أمر الواقع" بدورها في إدارة وتفعيل مؤسسات الدولة، ترك الشعب السوداني يواجه مصيره لوحده في مواجهة الفيضانات والسيول، التي اجتاحت عدة ولايات سودانية، فوفق مفوضية العون الإنساني الحكومية فقد دمرت الفيضانات ما لا يقل 13200 منزل، وألحقت أضراراً في 34 ألف منزل في 15 ولاية، بالإضافة إلى 89 قتيلا وعشرات من الإصابات.
ثانياً: العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
أصبح السودان في عزلة دولية عقب سيطرة الجيش على مقاليد السلطنة في 25 أكتوبر (2021)، وتوالت الدعوات الدولية والإقليمية وردات الفعل الرافضة له، من أجل إعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي، والشراكة بين المكون العسكري والمدني، اللذين أدارا الحكم في البلاد منذ العام 2019، وقد سارع الاتحاد الافريقي إلى تعليق عضوية السودان به، وكذلك أدانت الأمم المتحدة إقصاء الجانب المدني من السلطة الحاكمة، وكذلك جمد البنك الدولي مساعداته المالية وهباته إلى السودان فترة الحكومة المدنية.
كما دخل السودان في حسابات دولية وإقليمية معقدة، بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد دقلو حميدتي إلى روسيا، وتجديد الحديث عن القاعدة العسكرية البحرية في "بور سودان" على سواحل البحر الأحمر، مما أقلق دولتا مصر والسعودية.
بالإضافة إلى أزمة العلاقات السودانية الإثيوبية بسبب سد النهضة، والتي زادت تعقيدا بعد إسقاط أثيوبيا، لطائرة حربية سودانية محملة بالمساعدات العسكرية أفرغت حمولتها في إقليم التيغراي، حيث
اتهمت أثيوبيا السودان بدعم الإرهابين الانفصاليين في هذا الإقليم.
وكذلك احتجاج وزارة الخارجية السودانية لدي السفير التشادي بالسودان، على اقتحام مجموعات مسلحة مجمو الحدود السودانية وقتله عدد من المواطنين السودانيين، وسرقته مئات من رؤوس الأبل والماشية.
تعين سفير الولايات المتحدة الأمريكية
أما الحدث الأبرز في علاقات السودان الخارجية هو تعين الولايات المتحدة أول سفير لها منذ 25 عاماً، رغم سيطرة الجيش على مكونات الحكم في السودان بصورة غير ديمقراطية، ويمكن قراءة الحدث من خلال أهمية موقع السودان على البحر الأحمر بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة بعد توجه النظام الجديد الحاكم في السودان إلى روسيا والصين؛ مما سيعزز موقف البلدين في الصراع العالمي ضد الهيمنة الأمريكية العالمية؛ فتسعى أمريكا للتحكم بصناع القرار السوداني؛ وربطهم في مصالحها، حيث قال السفير الجديد "جون غودفري"، إن بلاده تشجع جميع الأطياف في السودان للمشاركة في حوار شامل، لتأسيس حكومة مدنية جديدة تتمتع بالمصداقية واستعادة الانتقال الديمقراطي، معبرا أن هذه الخطوة تسهل عملية استئناف الشراكات الأجنبية ومع السودان وتعزز العلاقات بين الحكومتين في واشنطن والخرطوم.
محكمة الجنائية الدولية
أبلغ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان مجلس الأمن الدولي، عبر تقرير أعده خلال عملة في الفترة الانتقالية من يناير 2022م وحتى أغسطس 2022م في السودان، حيث ذكر فيه عدم تعاون الحكومة السودانية الانتقالية مع المحكمة خلال تلك الفترة، بالإضافة الى رفضها وصول محققي المحكمة إلى الرئيس المعزول عمر البشير المحتجز حاليا في الخرطوم، وكذلك رفضها العمل الجدي مع المحكمة الجنائية لتحقيق العدالة.
ثالثا: الوضاع الاقتصادية
يواجه الشعب السوداني وضعاً اقتصاديا صعبا بالغ التعقيد بعد سيطرة الجيش على السلطة، وكذلك بعد قرار السلطة الانتقالية تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار، مما انعكس على الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني، حيث أصبحت ألاف الأسر غير قادرة على توفير جزء كبير من المستلزمات الأساسية.
حيث كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان عبر تقريرها في 2022/5/3م، عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي حيث أن قيمة العملة المحلية انخفضت أكثر من عشرين مرة، أوضح المكتب إن تعليق الدعم الاقتصادي المقدم من المجتمع الدولي أدى إلى تعليق أكثر من 7.2 مليار دولار، وأشار أن انخفاض احتياطات النقد الأجنبي، ومحدودية النشاط الاقتصادي، واستمرار عدم الاستقرار السياسي أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، في البنوك السودانية 565 جنيه في2022/3/31 وفقا لتقرير البنك المركزي السوداني.
حيث بلغ متوسط التضخم خلال نصف العام الحالي قرابة 240% في بلد تزيد نسبة الفقر فيه عن 60%.
النتائج
عدم استقرار النظام السياسي، سبب رئيسي في تفاقم الأزمات المختلفة التي تعصف بالسودان.
إن الحراك الثوري في الشارع السوداني، لم يحقق أو يغير أي شيء في النظام السياسي.
التحالفات السياسية بين الأحزاب وقتية تبنى على "الحد الأدنى" من التوافق، ما يصعب في استمرارها.
جميع المبادرات فشلت في رأب الصدع بين مكونات المجتمع السوداني، لأنها لا تقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، ولا تمتلك رؤية ومنهجية لإدارة حوار شفاف.
تصاعد العنف بين قبائل المجتمع السوداني هو نتيجة طبيعية لحالة الاستقطاب الشديد، وكذلك لعدم قيام مؤسسات الدولة بواجبها تجاه الشعب السوداني.
ضعف الحكومة وعدم استقرارها، أثر بشكل مباشر على مكانة السودان في علاقتها الدولية.