مع أن المؤتمر العام لحركة فتح لم يعُد يثير اهتماماً داخلياً أو خارجياً كما كان الأمر في عهود سابقة، كما تضاءلت المراهنة عليه ليكون رافعة لاستنهاض حركة فتح وإخراجها من حالة الوهن التي هي عليها -وقد كتبنا عن ذلك سابقاً- إلا أن تسريبات عن احتمال عقد المؤتمر الثامن قبل نهاية العام أثارت تساؤلات وتخوفات عند كثيرين من أبناء فتح ومن المهتمين بالشأن الفلسطيني بشكل عام، تساؤلات حول الطرف أو الأطراف التي تريد انعقاد المؤتمر وتُصرّ عليه، في مواجهة أطراف أخرى تتخوف من انعقاد المؤتمر قبل ترتيب الوضع الداخلي من جهة استكمال انتخابات الأقاليم والمناطق، ومعالجة الخلافات بين أعضاء اللجنة المركزية سواء بين الباقين فيها أو مع المطرودين والمفصولين منها، بالإضافة إلى البرنامج السياسي.
تخوفات المتحفظين على انعقاد المؤتمر بنفس الآلية السابقة وبمن تبقى في الحركة تنبني على ما بات يعرفه الداني والقاصي، وتحدثت عنه وكالات أخبار عربية وأجنبية، بأن الرئيس أبو مازن يهيئ عضو اللجنة المركزية لفتح وأمين سر منظمة التحرير ووزير الشؤون المدنية "حسين الشيخ" ليكون خليفة له، أو الرجل الأقوى في السلطة في حالة وجود رئيس آخر، لأسباب لا يعلمها علم اليقين إلا الرئيس وحسين الشيخ والمقربين جداً منهما، وجهات أجنبية تقرر في الشأن الفلسطيني.
ما تتناقله وتكتب عنه الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية وخصوصاً الإسرائيلية ليس نتيجة جهد استخباراتي خارق، بل هي أخبار يتم تداولها والحديث عنها في كل لقاء بين الفتحاويين وحتى عند الناس العاديين وهو حديث يكون علنيا أحياناً وبتكتم وبالمرموز حيناً آخر؛ نتيجة الخوف أو بقايا حرص على الحركة وعدم فضح مشاكلها الداخلية.
ما يدور بين أبناء حركة فتح وحتى ما يتداوله العامة أن التوجه لانعقاد المؤتمر العام الثامن لا يندرج في سياق استنهاض حركة فتح كحركة تحرر وطني، كما لا علاقة له بإعادة توحيد الحركة وتصليب مواقفها، بل يأتي ضمن ترتيبات لتمكين حسين الشيخ من التحكم في مفاصل حركة فتح من خلال التحكم في عضوية اللجنة المركزية والمجلس الثوري وإقصاء من يشاء ويُصعِد من يشاء من خلال تحكمه بعضوية المؤتمر وبالماكينة الانتخابية.
أهمية المؤتمر العام بشكل عام لا تقتصر على (انتخاب) أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري بل من كونه مفصلاً أساسياً، ومحطة مركزية لمن يتطلع للاستحواذ على كل مقاليد الأمور وقيادة الشعب الفلسطيني، فرئيس حركة فتح يصبح رئيساً لمنظمة التحرير ورئيساً للدولة والقائد العام ورئيساً للسلطة، وللأسف لم تنجح محاولات سابقة للفصل بين هذه الرئاسات.
لسنا في وارد إصدار أحكام قاطعة حول صوابية تصرف الرئيس فيما يتعلق بترتيب موضوع خلافته، فالموضوع خلق انقساماً وتوتراً حاداً داخل حركة فتح وحتى داخل لجنتها المركزية، كما أن الموضوع على درجة كبيرة من الخطورة لأن خلافة الرئيس ليس شأناً فتحاوياً خالصاً بل حتى الرئيس أبو مازن ليس من حقه التفرد بهذا الشأن.
الرئيس القادم من اختصاص كل الشعب، قد يقول قائل: إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هي التي ستحسم أمر الرئاسات، وهذا كلام صحيح لو كان هناك التزام بالعملية الانتخابية أو تحديد موعد لها، وحيث إنها مؤجلة ومعلقة ولا نعتقد أنها ستكون خلال حياة الرئيس أبو مازن؛ فإن ما يجري هو ترتيب للأوضاع في حركة فتح ومنظمة التحرير لتهيئة الرئيس القادم.
أن نذكر حسين الشيخ -بالاسم- لا يعني أي حكم قيمة سلبي أو إيجابي بشأنه ولكن لأن اسمه يتم تداوله وشبحه يحوم في أي لقاء أو حديث عن الأوضاع الداخلية للشأن الفلسطيني وخصوصاً داخل حركة فتح، كما كان الأمر مع محمد دحلان قبل فصله من مركزية فتح.
سأستعرض في هذا المقال وباختصار حواراً جرى مع صديقين من قيادات فتح وذلك أثناء زيارتهم لي في المستشفى الاستشاري في رام الله حيث كنت أتعالج.
كان الأول متحفظاً على الصعود السريع لحسين الشيخ، واحتمال أن يصبح خليفة لأبي مازن، وما قد يترتب على ذلك من تفاقم الخلافات والصراعات داخل حركة فتح، وقد رد الصديق الثاني على هذه التحفظات قائلاً: "هل تعتقدون أنه يوجد في اللجنتين التنفيذية والمركزية شخصاً قادراً على ضبط الأوضاع في حركة فتح وفي السلطة والحلول محل أبو مازن بعد غيابه"؟!، مستطرداً إن الشخص الوحيد القادر على ضبط الأوضاع هو حسين الشيخ، ليس لمواصفات نبيلة يتمتع بها ولا تتواجد عند الآخرين، ولا لتاريخ نضالي يميزه عن الآخرين؛ بل للموقع الذي شغله لفترة طويلة كوزير للشؤون المدنية، وهذه الوزارة ليست ككل وزارات سلطة الحكم الذاتي بل هي كالأخطبوط حيث تتوغل أذرعها في كل الوزارات وتحتاجها كل الوزارات، بل يمكن القول إن وزارة الشؤون المدنية هي الدولة العميقة في السلطة، ويعود ذلك لأنها سلطة تحت الاحتلال وكل صغيرة وكبيرة تمر من خلال الاحتلال وبتنسيق معه والأمر لا يقتصر على التنسيق الأمني بل يشمل كل مناحي الحياة.
هذا الموقع الذي شغله حسين الشيخ جعله مقرباً من الإسرائيليين مُلمّاً بما يفكرون به، كما أن السلطة الفلسطينية في أسوأ حالها والوقت ليس وقت مواجهة مع "إسرائيل" بل يجب تجنب مزيد من التدهور وقطع الطريق على حالة فوضى بعد أبو مازن لن يستفيد منها إلا "إسرائيل" وحركة حماس والعائلات والعشائر والمرتبطين بالأردن؟!!
هذا المنطق يعني أن الرئيس أبو مازن وتصرفه فيما يتعلق بخلافته سليم وأن حسين الشيخ سيحقق ما يصبو إليه بالانتخابات أو بدونها.
ولكن صاحبنا المتحفظ على ما يجري كان جاهزاً للرد بعصف من التساؤلات التي زادت من حدة الجدل وتوقفه سريعاً دون الاتفاق على رأي، وكانت الأسئلة كالتالي: من الذي أوصل حال حركة فتح إلى هذه الدرجة من الضعف والتشرذم؟ وهل قيادات فتح الآخرين داخل اللجنة المركزية وخارجها متواطئون على ما يجري حتى يحافظوا على ما بيدهم من مكاسب ومصالح شخصية؟ أم عاجزون؟ وفي هذه الحالة لا يستحقوا أن يكونوا في موقع القيادة؟ وأين القواعد الشعبية للحركة؟ وهل صحيح أن المرحلة القادمة تتطلب التعايش مع الاحتلال والحفاظ على السلطة بأي ثمن؟ أم يتطلب الأمر تفعيل مقاومة شعبية سلمية بما تتطلبه من وحدة فتحاوية ووطنية وتجاوز حالة التفرد بالسلطة والرئاسات وهي حالة كانت مقبولة نسبياً مع القيادات التاريخية ولكنها لا ولن تنجح مع غيرها؟
وأخيراً، وفي ظل هكذا أوضاع فتحاوية داخلية وأوضاع الإقليم هل المؤتمر القادم لحركة فتح قادر على تصويب مسار الحركة وحل الخلافات الداخلية؟، بل ونسأل هل من الضروري أن ينعقد المؤتمر قبل نهاية العام وقبل أن تستكمل الأقاليم انتخاباتها وقبل أن يتم ولو محاولة للمصالحة بين القيادات الفتحاوية؟
وكلمة أخيرة: إن الشعب الفلسطيني يحتاج لانتخابات عامة وشاملة تجلب وجوها جديدة غير المتواجدة الآن لأن كل الطبقة السياسية في الضفة وغزة فاشلة وفقدت مصداقيتها.