تداعيات ضم الأغوار على دولة الاحتلال
بقلم/ ناصر ناصر
طرحت فوضى العصر للرئيس ترامب (ورغم تبنيها موقف اليمين الاسرائيلي) أسئلة وتحديات استراتيجية رئيسية جديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي لن تتكلف في ما يبدو عناء الاستجابة والرد عليها بفضل الأوضاع الفلسطينية والعربية الرسمية المريرة. وعليه، تتضمن خطة العصر مكاسب فورية وجوهرية للاحتلال كالقدس واللاجئين والاستيطان، ويتحمل الفلسطيني والعربي تكاليف الخطة المحتملة ماليا واستراتيجياً، على أساس وعد بتعويض مؤجل ومشروط وشبه مستحيل للطرف الفلسطيني المستضعف.
أما السؤال الأول الذي تطرحه الخطة فيتعلق بالخمس عشرة مستوطنة المعزولة والخارجة عن الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية، والتي تقع في مواقع حساسة وستكون بحاجة إلى حمايات وحراسات واستعدادات خاصة قد تكلف دولة الاحتلال أموالا طائلة. ومن ذلك عدة كتائب عسكرية للحماية وبناء أسوار وجدران وشوارع التفافية جديدة. وقد تتجاوز "إسرائيل" هذا التحدي الجوهري كما تجاوزت التحدي الفوري أو السؤال الثاني والمتعلق بمواجهة تظاهرات واحتجاجات الفلسطينيين في سائر أنحاء الضفة الغربية على جريمة العصر لـ ترامب، وذلك من خلال استمرار التعاون الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية ومخابرات الجيش الإسرائيلي، فما أعظم منحة هذا التعاون لدولة الاحتلال!
وفي هذا السياق، أكدت مصادر أمنية عسكرية إسرائيلية للقناة 11 للتلفزيون الإسرائيلي أمس أن التنسيق الأمني ما زال جاريا على الأرض، بالرغم من تهديد رئيس السلطة أبي مازن في خطابه بالجامعة العربية بقطعه، وهو الأمر الذي اعتبرته إسرائيل وحتى أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني تهديدا دوريا لا معنى له؛ طالما بقي في إطار الخطابات والكلمات الرنانة، أو ما يسمى دبلوماسية الصراخ والألم، وهو المرجح في هذه الحالة مع أن خطة ترامب حولت السلطة الفلسطينية، وعلى حد تعبير الكاتبة الإسرائيلية في هآرتس عميرا هاس، من "مقاول بالوكالة" إلى "جارية أو أمة أمنية". وبناء على ذلك، وطالما استمر تمسك النخبة الفلسطينية الحاكمة بموقعها المرفّه الحالي والقائم على أساس استمرار التعاون الأمني (حيث سقوطه يعني سقوطاً لها)، فمن غير المتوقع أن تخرج الأمور عن سيطرة الاحتلال في الضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الشعب الفلسطيني قد يفاجئ الجميع، فالانتفاضات الفلسطينية لا تطرق باب أحد بل تقتحم دون استئذان، والمفاجأة هي ما تخشاه سلطات الأمن والاحتلال المطمئنة من عدم وجود مؤشرات مقلقة، لا قبل خطاب السيد أبي مازن ولا بعد خطابه.
أما السؤال الثالث والرابع سيجيب عليه على الأغلب العرب، فالأموال الباهظة المحتملة لتمويل صفقة العصر والبالغة 50 مليار دولار تقريبا سيتم دفعها على الأرجح من أموال نفط الخليج. أما سؤال التغيرات الاستراتيجية المقلقة لإسرائيل في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الأردنية الكبيرة والواسعة ضد ترامب وخطته الفاشلة والمحتملة على طول خط الحدود مع الأردن، فمن المرجح ألا تحدث، وسيظل الأردن، كما تجرأ على غير العادة بعض القادة الأمنيون في إسرائيل على وصفه بالأيام الأخيرة، "العمق الاستراتيجي لإسرائيل".
هكذا تحاول خطة ترامب أن تحول الاحتلال بالنسبة لإسرائيل إلى الأحلى وأجمل اكتمال. أما السؤال والتحدي الخامس والذي يمكن تسميته بتحدي قطاعات غزة الثلاثة فما زال مفتوحا، طالما لم تنجح الخطة في نزع سلاح المقاومة في قطاع غزة ومساعدة السلطة الفلسطينية على السيطرة عليها، وهو القلق الذي أعرب عنه قائد قسم العمليات في الجيش أمام رئيس الأركان كوخافي قائلا: إن تم نقل قطعتين منفصلتين بالقرب من الحدود المصرية مع غزة، هل سنضطر للتعامل مع ثلاثة قطاعات غزة بدلا من واحد؟ ولسان حاله يقول لم نتدبر أمر غزة واحدة فكيف مع ثلاث؟
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للضم
يشكل ضم مئات آلاف الفلسطينيين الى " اسرائيل " عبئا اقتصاديا واجتماعيا واضحا على دولة الاحتلال ، ولكن من الناحية العملية فقد تعالج اسرائيل هذه المشكلة بإهمالها كما جرى على مدار عقود ،وتحديدا في المناطق الفلسطينية في القدس الشرقية ، يرى المتابعون للشأن المقدسي بان حكومة الاحتلال خصصت في شهر مايو 2018 مبلغ 2 مليار شيكل لتحسين أوضاع الفلسطينيين في القدس الشرقية ولكن المطلوب هو 50 مليار شيكل .
وقد نشرت صحيفة هآرتس بعض المعطيات حول الفقر في أوساط العائلات الفلسطينية شرق القدس ، حيث يتزايد ويتراوح بين 75% في بعض الاحصائيات و59% في إحصائيات التأمين الوطني الرسمية ، كما ان 10% من سكان شرق القدس هم أكاديميون تلقوا تعليمهم في الضفة والدول العربية ، و81% من الرجال يعملون بجد وفقط 27% من النساء يخرجن الى سوق العمل .
وقد أشار الباحثون الى ان ثمن خطة ترامب الاقتصادية في هذا الجانب سيكون حوالي 100 مليار شيكل لاستيعاب 450 الف فلسطيني سيتم ضمهم في حال تم تطبيق خطة ترامب، وهم على النحو التالي :
أما من الناحية الديموغرافية فلن يشكل الضم تغييرا جوهريا في المجال الديموغرافي في اسرائيل ، حيث ستبقى هناك أغلبية يهودية واضحة ، وسيرتفع عدد الفلسطينيين في الداخل من 21 الى 25 % من السكان ، وذلك بعد زيادة 450 الف فلسطيني الى 1.9 مليون فلسطيني من سكان الداخل .
لا تحمل خطة ترامب أبعادا سياسية كارثية على الشعب الفلسطيني فحسب وذلك باعترافها بشرعية ما وقّع عليه من ظلم واحتلال ، بل إن لها أبعادا وآثارا فكرية وحضارية تتلخص في كشفها عن زيف الادعاءات الأمريكية بالديموقراطية والحرية وحقوق الانسان ، وتأكيدها لعناصر الامبريالية الغاشمة والكامنة في ثقافة ترامب وكل القوى التي تقف من خلفه .
أكدت خطة ترامب الكريهة ما آمن به معظم أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله المناضلة ، وأصرت قيادته الرسمية على الكفر به وإنكاره من ان الطريق الوحيد لوقف الاحتلال وممارساته الاستيطانية والتعسفية هي بالمقاومة الذكية بكافة أشكالها كما جاء في وثيقة الاسرى واكدته كافة الاعراف والقوانين الدولية والانسانية .
ليس الوقت وقت التلاوم بين الفلسطينيين او العرب ولكنه أوان اللقاء والتأكيد انه لا يمكن مواجهة الاحتلال دون مقاومة ، ولا يمكن للمقاومة ان تؤتي أكلها دون رصّ الصفوف وتوحيد الجهود وتعزيز الوحدة الوطنية ، فإن تحول ذلك الى خطة وطريقة عمل فقد تصبح خطة ترامب ( كصدمة الحياة ) للشعب الفلسطيني ،او كالشر الذي يأتي بخير ، وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.