تحليل التقارب السعودي مع الصين

منتدى التفكير الإقليمي

غازي أبو جياب
ترجمة حضارات


في أكتوبر من العام الماضي، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض تضمنت ثلاث قمم: قمة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وقمة صينية عربية، وقمة صينية سعودية، اختتمت القمة الصينية في نهايتها بإعلان الرئيس والملك السعودي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.


على عكس الترحيب الملكي الذي لقيه الرئيس الصيني شي جين بينغ، قبل بضعة أشهر في أغسطس من العام الماضي، استقبل الرئيس الأمريكي ترحيبا حارا في جدة بالمملكة العربية السعودية.

وتهدف زيارة الرئيس الأمريكي إلى إعادة تدفئة العلاقات مع المملكة وثنيها عن تنسيق المواقف مع روسيا في أوبك بلس في ظل ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية نتيجة الحرب في أوكرانيا.

يبدو أن الرئيس الأمريكي غادر حينها كما جاء. كان توقيع الاتفاقية بين السعودية وإيران بوساطة الصين خطوة أخرى لتعزيز الصين في المنطقة مقارنة بالتراجع الأمريكي.

التقارب بين الصين والمملكة العربية السعودية لم يأت مثل صاعقة في يوم صافٍ.
 وقد نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية مؤخراً سلسلة مقالات للدكتور أحمد مالي، محاضر في السياسة الدولية في الجامعة اللبنانية، تدرس وتحلل التقارب الأخير على خلفية التاريخ بين البلدين.


وتوضح مالي أنه عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949، لم تكن هناك علاقات رسمية بين الرياض وبكين، اعترفت السعودية بالحكومة الصينية في المنفى في تايوان ولم يكن هناك نقطة التقاء في سياسات البلدين.

اتخذت الصين تحت قيادة ماو تسي تونغ خطاً ثورياً معادياً للولايات المتحدة وكانت حليفاً مقرباً من الاتحاد السوفيتي حتى وفاة ستالين في عام 1953.

وفي المقابل، كان النظام في المملكة العربية السعودية ذا طبيعة إسلامية محافظة للغاية، معاديًا للشيوعية، وشكل تحالفًا وثيقًا مع الولايات المتحدة، التي أسست أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط في مدينة الظهران في المملكة العربية السعودية.

في منتصف الستينيات، أضيف ظل ثقيل آخر خيم على العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية: الانقلاب في اليمن عام 1963 الذي تسبب في حرب أهلية بين الجمهوريين والملكيين، ثم تدخلت مصر وأرسلت قوات عسكرية للقتال إلى جانب الجمهوريين ضد الملكيين المدعومين من السعودية وبريطانيا.


في الوقت نفسه، حظيت حركة التمرد المسلح في محافظة ظفار العمانية، التي خاضت ضد سلطان عُمان في عام 1965، بدعم الصين، كل هذه التطورات أدت إلى تصلب الموقف السعودي تجاه الصين، ولم تدعم المملكة العربية السعودية قرار واشنطن الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، وصوتت ضد انضمامها إلى الأمم المتحدة في عام 1971.

تم تسجيل التغيير في السياسة السعودية تجاه الصين في خضم الحرب التي اندلعت بين إيران والعراق عام 1980، دعمت المملكة العربية السعودية صدام حسين ومولت حربه، ومع ذلك، عندما مال الميزان لصالح إيران، بدأت السعودية تقلق.

وطالبت الولايات المتحدة بتزويدها بصواريخ بيرشينج متوسطة المدى، لكنها رفضت الاستجابة للطلب؛ لأن هذه الصواريخ قادرة على حمل رأس نووي، وهذا يشكل تهديدًا لأمن "إسرائيل"، وقد دفع الرفض الأمريكي السعودية للبحث عن مصدر بديل للحصول على الصواريخ المطلوبة. ثم كان يُنظر إلى الصين على أنها مصدر محتمل.

أجرى السفير السعودي لدى الولايات المتحدة آنذاك بندر بن سلطان محادثات سرية مع نظيره الصيني في واشنطن هان شو وسأله عما إذا كانت بكين مستعدة لتزويد السعودية بالصواريخ بالشكل المطلوب، فالإجابة الصينية الإيجابية لم تطول، وسافر السفير السعودي إلى باكستان والتقى سرا مع كبار المسؤولين الصينيين لمواصلة المناقشات حول هذا الموضوع.

في يوليو 1985 قام بأول زيارة سرية من ثلاث زيارات إلى الصين لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الصفقة. في ديسمبر 1986، تم توقيع أول صفقة أسلحة بين الصين والمملكة العربية السعودية.

وشملت شراء 50 صاروخًا باليستيًا من طراز CSS-2 بقيمة 5.3 مليار دولار، لم تكن الولايات المتحدة مطلعة على الأمر، ولم تكن على علم بالصفقة إلا في عام 1988، فيما أدت صفقة الصواريخ بين الخصمين السابقين إلى دفء العلاقات بينهما. في عام 1990 تم إرسال بندر بن سلطان إلى الصين مرة أخرى.

 وهذه المرة لمناقشة الاعتراف الدبلوماسي الكامل، وفي 2 يوليو 1990، سافر وزير الخارجية الصيني إلى الرياض للتوقيع على إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

 سرعان ما أصبحت الصين مستوردا رئيسيا للنفط من المملكة العربية السعودية وتعمقت العلاقات التجارية بين البلدين. وتكررت الزيارات الثنائية التي قام بها كبار رجال الدولة من أجل إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين البلدين ودفعها إلى الأمام.

وبعد عدة زيارات ثنائية قام بها كبار المسؤولين إلى عاصمتي البلدين، زار الرئيس الصيني جيانغ زيمين الرياض عام 1999.

وتعد هذه الزيارة الأولى لرئيس صيني إلى المملكة العربية السعودية، تم خلالها توقيع اتفاقية للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة.

ووفقًا لهذه الاتفاقية، فتحت الصين مصافي تكرير لاستثمارات شركات سعودية، وأعطت الأخيرة فرصًا للشركات الصينية للبحث والتطوير في مجال النفط.

عجلت هذه الاتفاقية بشكل كبير من شراء الصين للنفط السعودي. في عام 2000، بلغت صادرات النفط من السعودية إلى الصين 1.5 مليار دولار وفي عام 2010 ارتفعت إلى 25 مليار دولار.

وبعد تطور العلاقات مع الدول العربية، أنشأت الصين في عام 2004 منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) لإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات مع هذه الدول، وخاصة المملكة العربية السعودية. ومنذ ذلك الحين، أصبح المنتدى بمثابة آلية لتسهيل التعاون والتجارة بين الجانبين.


قام العاهل السعودي الملك عبد الله بأول زيارة خارجية له للصين في يناير 2006، بعد أشهر قليلة من حكمه.

كانت الزيارة الأولى لملك سعودي إلى الصين، وهي خطوة ذات معانٍ كثيرة، وفي مضمون الرسالة أن نظرة المملكة العربية السعودية إلى الشرق، وتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات الهامة في مجال الطاقة والتوسع التجاري. 

في عام 2012، زار رئيس الوزراء الصيني وان جيا باو الرياض، حيث كانت المشاريع في مجال الطاقة على رأس جدول أعمال الزيارة، ثم تم الاتفاق على مشاريع مشتركة كان أبرزها إنشاء مصفاة في ميناء ينبوع على شواطئ البحر الأحمر بطاقة 400 ألف برميل يومياً.

ذروة العلاقات بين السعودية والصين كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في يناير 2016، والتي ضمت أيضًا ممثلين من إيران ومصر.

 كان من الواضح أن الصين ركزت على ترسيخ مكانتها في المنطقة بشكل عام وفي الخليج على وجه الخصوص بما يتجاوز المصالح الاقتصادية البحتة.

وفي ورقة السياسة الصينية للعالم العربي التي قدمها الرئيس الصيني إلى جانب التجارة والاستثمارات، تم التركيز على الحاجة إلى صب محتوى سياسي وثقافي وحتى أمني في علاقات الصين مع الدول العربية.

كما أحدثت الزيارة ثورة في العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية، التي عُرِّفت آنذاك بأنها أهم شريك للصين في الشرق الأوسط، تطورت العلاقة من علاقات هامشية في الماضي إلى "شراكة استراتيجية شاملة".

في يونيو 2019، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأول زيارة مهمة له إلى الصين بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي. وتم خلال الزيارة توقيع اتفاقية لإنشاء منشأة لتكرير المنتجات البتروكيماوية.

وذكر بن سلمان خلال الزيارة أن للصين "الحق في القيام بأعمال ضد "الإرهاب" و "التطرف" حفاظًا على أمنها القومي"، في حين أشار إلى أن أقلية الأويغور المسلمة تعيش في منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الصين، فيما أشار المسؤولون الصينيون إلى أن من التقى بن سلمان لم يثير اهتمام خاشقجي.

إذا كانت صفقة الصواريخ هي الحدث الحاسم ونقطة البداية الأولى في العلاقات الصينية السعودية، فإن النفط هو الذي أعطى الزخم والاستمرارية لهذه العلاقات على مدى العقود الثلاثة الماضية، والتي عمقت خلالها العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البلدين.

أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط بفضل النفط،  وعلى الرغم من أن الصين كانت منتجًا رئيسيًا للنفط، إلا أن استهلاكها يتجاوز إنتاجها، وقد بلغ استهلاك الصين من النفط في عام 2014 13.1 مليون برميل من النفط يوميًا، وبحسب التقديرات، فإنها ستصل إلى 20.8 مليون برميل؛ لذلك، ستكون واردات الطاقة سمة بارزة للاقتصاد الصيني النامي. 

من ناحية أخرى، تعد المملكة العربية السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وتحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث احتياطيات النفط المؤكدة المقدرة بنحو 267 مليار برميل.

ووفقًا لهذه البيانات، ستكون المملكة العربية السعودية على المدى الطويل مصدرًا رئيسيًا لأمن الطاقة في الصين، وبلغت قيمة صادرات النفط السعودي إلى الصين 1.5 مليار دولار عام 2000 وبلغت 31.3 مليار دولار عام 2018.

المملكة العربية السعودية هي أكبر مورد للنفط للصين في الشرق الأوسط.

 17٪ من جميع واردات الصين النفطية تأتي من الغرب السعودي (حوالي مليوني برميل من النفط يومياً بنهاية عام 2019)، ومع ذلك، يبدي كلا البلدين اهتمامًا كبيرًا بتطوير علاقاتهما التجارية والاستثمارية خارج قطاع النفط.

 تبيع الصين المعدات والخدمات الصناعية وخدمات البنية التحتية والمنسوجات والأجهزة الإلكترونية والمنتجات الغذائية إلى المملكة العربية السعودية، في حين أن قائمة الصادرات السعودية إلى الصين محدودة - 95 ٪ من واردات المملكة العربية السعودية من الصين كانت النفط والبترول والبلاستيك والمنتجات الكيماوية.

المصافي والمنتجات البتروكيماوية

في هذا المجال، استثمر البلدان في بعضهما البعض.  

كان أحد أبرز الأمثلة في بداية عام 2022، عندما أعلنت شركة أرامكو السعودية عن استثمار بقيمة 10 مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مدينة بنجين بمقاطعة لياونينغ في شمال شرق الصين، مصفاة تنتج 300 ألف برميل في اليوم ومصنع إيثيلين 1.5 طن في السنة، مصفاة تنتج 300 ألف برميل في اليوم ومصنع إيثيلين 1.5 طن في السنة.

وتم إنشاء مشروع آخر لشركة أرامكو في مقاطعة فوجيان. وتمتلك الشركة، التي بدأت العمل في عام 2008، حصة 25٪ في شركة صناعة التكرير والبتروكيماويات التي تسيطر عليها شركة النفط الوطنية الصينية CNPC، كما تبلغ الطاقة التكريرية للشركة 280 ألف برميل يوميًا و 1.1 مليون طن من الإيثيلين سنويًا.


التجارة والاستثمارات


على مدى السنوات الخمس الماضية، كانت الصين أكبر شريك اقتصادي للمملكة العربية السعودية. وبلغت استثمارات الصين في السعودية في الفترة 2005 - 2021 ما قيمته 43.5 مليار دولار.

وتستقبل السعودية 26.3٪ من إجمالي تجارة الصين الخارجية مع الدول العربية، والتي بلغت 332.2 مليار دولار العام الماضي، استثمرت المملكة العربية السعودية أو على وشك استثمار 35 مليار دولار في مشاريع في الصين.

فيما تركز استثمارات الصين في الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، على أربعة قطاعات: الطاقة والنقل والبنية التحتية والخدمات. وقعت الصين عقودًا لبناء البنية التحتية في المملكة، وخاصة الموانئ والسكك الحديدية.

وبلغت تكلفة المشاريع التي نفذتها الشركات الصينية في الفترة 2014-2019 نحو 40 مليار دولار، أي ضعف المبلغ مقارنة بالفترة 2008-2013.



مشاريع الكهرباء


وقد شاركت الشركات الصينية في تنفيذ مشاريع في هذا المجال الحيوي، في عام 2019، وقعت شركة Shengkong عقدًا لإنشاء مصنع لإنتاج مصابيح LED في مدينة الجبيل في المملكة العربية السعودية بقيمة 880 مليون دولار.

وفي ديسمبر 2019، وقعت الشركة الصينية المملوكة للدولة SGCC عقدًا بقيمة 1.1 مليار دولار لمشروع لتصنيع عدادات الكهرباء الذكية.

 ويعد هذا أحد المشاريع الرئيسية التي تنفذها المملكة العربية السعودية لتوفير استهلاك الطاقة وتقليل انبعاثات الملوثات، كما أنه مهم لتركيب شبكات الطاقة الذكية والمدن الذكية في المملكة العربية السعودية.

في يناير 2022، تم إطلاق محطة إنتاج الطاقة الكهروضوئية التي أنشأتها شركة هندسة الطاقة الصينية CECC بتكلفة 1.75 مليار دولار.

ووفقًا لتقارير مختلفة، تعد هذه أكبر محطة للطاقة الكهروضوئية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

والواضح بأن هناك توسعًا في التعاون السعودي الصيني في مجال الكهرباء خارج حدود المملكة العربية السعودية. 

من جانبها توصلت شركة أكوا باور السعودية إلى اتفاق مع "صندوق طريق الحرير" الصيني بشأن استثمار مشترك على قدم المساواة في محطة طاقة تعمل بالغاز بطاقة 1.5 جيجا بايت في أوزبكستان مقابل مليار دولار.


وجاءت معظم مبادرات تعزيز العلاقات الاقتصادية من الجانب الصيني، وتعاملتها السعودية بانفتاح. كانت المبادرة الأولى، كما ذكر أعلاه، إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) في عام 2004.

وبعد ذلك، عندما تولى الرئيس شي السلطة في 2013، أطلق مبادرة "الحزام والطريق"، وفي خطابه أمام المؤتمر الوزاري للمنتدى العربي الصيني عام 2014، اقترح المعادلة (1 + 2 + 3) لـ التعاون في الشرق الأوسط:


1 يلمح إلى الطاقة.


 2 - لإنشاء البنى التحتية للتجارة والاستثمارات.


3 - للطاقة النووية وتكنولوجيا صناعة الفضاء والطاقة الخضراء. تريد الصين أن تشارك اقتصاديًا في كل هذه المجالات.


كما وضعت المملكة العربية السعودية خطة طموحة تعرف باسم "رؤية 2030"، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنويع مصادر الدخل والكفاءة.


ويرى واضعو هذه الخطة أن الاستفادة القصوى يجب أن تتحقق من عائدات النفط لإحداث تغييرات في هيكل الاقتصاد السعودي بحيث لا يعتمد على عائدات النفط والتأكيد على المجالات الجديدة: الذكية، البنية التحتية والاتصالات والطاقة النووية والطاقة المتجددة.


والسؤال المطروح هو ما إذا كانت هناك إمكانية لمطابقة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مع "رؤية المملكة العربية السعودية 2030"؟ يبدو أن الإجابة على ذلك إيجابية.

توسع نطاق التعاون بين المملكة العربية السعودية والصين في السنوات الأخيرة، عندما كانت نقطة البداية تجارة الطاقة، وتطورت العملية تدريجيًا إلى استثمارات في البنية التحتية والاتصالات والتكنولوجيا الفائقة والصناعة والتمويل والنقل والطاقة الخضراء والنووية، وصناعة الأسلحة.

في نهاية عام 2021، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 87.32 مليار دولار، بزيادة كبيرة مقارنة بعام 1990 عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية، حيث بلغت التجارة 418 مليون دولار فقط.

مجال جديد للتعاون بين البلدين ألا وهو الفضاء، حيث تعتبر صناعة الأقمار الصناعية في الشرق الأوسط من أولويات الصين، وقد أنشأ السعوديون بنية تحتية للبحث والتطوير والإنتاج للأقمار الصناعية بمساعدة صينية.

وفي ديسمبر 2018، تم الإبلاغ عن إطلاق قمرين صناعيين سعوديين الصنع بمساعدة قاذفة صينية من الصين - SAT 5 A و SAT 5 B.


مسائل أمنية


وبحسب كل المؤشرات، فإن نطاق التعاون العسكري بين السعودية والصين محدود. منذ صفقة الصواريخ في عام 1986، لم تزود الصين المملكة العربية السعودية بصواريخ أكثر تطوراً من CCS2.

ومع ذلك، في عام 2021، ذكرت شبكة CNN أن الصين كانت تساعد المملكة العربية السعودية في إنتاج صواريخ باليستية في المملكة. علاوة على ذلك، تواصل الصين بيع طائراتها الجوية غير المأهولة إلى المملكة العربية السعودية.

وفي عام 2017، منحت الصين المملكة العربية السعودية ترخيصًا لتصنيع طائرات بدون طيار صينية على أراضيها. 

وفي مجال آخر، أجرت الصين والمملكة العربية السعودية تدريبات بحرية مشتركة في عام 2021. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الأرقام، يوضح المؤلف أن مدى التعاون العسكري بين البلدين لا ينبغي المبالغة في دولتين.

 وتستورد السعودية 1٪ فقط من مشترياتها العسكرية من الصين و 82٪ من الولايات المتحدة، ولا تزال السعودية تعتمد على الولايات المتحدة في هذا الصدد.


وبعد التقارب بين البلدين، يثير الدكتور مالي التساؤل عما إذا كانت الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين لا تثير قلق الولايات المتحدة، الحليف التاريخي للسعودية منذ ما يقرب من 80 عامًا، خاصة في ظل المنافسة بينها وبين الصين، والسؤال الأكثر إثارة: هل ستنتشر التوترات بين الصين والولايات المتحدة وتصل إلى الخليج؟ تشتري الصين 40٪ من استهلاكها النفطي من دول الخليج وتعتمد أكثر فأكثر على واردات الغاز من قطر، بينما تحتفظ الولايات المتحدة بقوة قوامها 60.000-80.000 جندي في منطقة الخليج.

للإجابة على هذه الأسئلة، يحلل الكاتب العلاقات السعودية الصينية من جوانب مختلفة:


المثلث الصيني السعودي الأمريكي


يدعي المؤلف أنه على الرغم من الدفء بين البلدين، فإن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصين هي في الأساس علاقات تجارية إلى حد كبير. الصين هي أكبر مستورد للنفط السعودي.

 وقد أدت التطورات في السنوات الأخيرة إلى تسريع التعاون الاقتصادي بين البلدين نحو آفاق غير محدودة.


يبدو أن صادرات النفط السعودية إلى الصين ومشاريع البنية التحتية لا تزعج الولايات المتحدة، ما يقلقها هو أن المملكة العربية السعودية ستسمح للصين ببناء منشآت مدنية ظاهريًا، لكنها تخفي تسميات عسكرية.

ومعلوم أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق الذي أبرمته "إسرائيل" مع شركة SIPG الصينية لإدارة ميناء الخليج الجديد في حيفا. وبالمثل، تخشى الولايات المتحدة أن يتحول النفوذ الاقتصادي للصين في المملكة العربية السعودية إلى نفوذ سياسي على مر السنين.

سبب آخر لقلق صانعي السياسة الأمريكيين هو الخوف من أن تنجح الصين في تسخير السعودية في جهودها لإسقاط الهيمنة الأمريكية على السوق المالية.

 وزاد القلق بعد تصريح نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، محمد التواجري، في أغسطس 2017، بأن السعودية تخطط لتمويل عجز ميزانيتها جزئيًا باليوان الصيني لتقليل الاعتماد على الدولار.

وقد  أعرب العديد من الاقتصاديين في الولايات المتحدة عن قلقهم بشأن استعداد المملكة العربية السعودية لقبول القروض بالعملة الصينية.

وفي خطاب الرئيس الصيني في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، ذكر أنه من الآن فصاعدًا ستسعّر الصين النفط باليوان في بورصة شنغهاي. ودعا الدول العربية إلى استخدام العملة الصينية من خلال بورصة شنغهاي.

وقبل ذلك، هددت السعودية بالتخلي عن استخدام الدولار في تجارة النفط إذا تم تمرير قوانين في الولايات المتحدة تهدف إلى فرض عقوبات على دول أوبك على أساس الاحتكار.

مثل هذه الخطوة السعودية يمكن أن تتسبب في زلزال سياسي واقتصادي وتضر بشدة بالعلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وأحد الأسئلة المعقدة التي تعقد العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يتعلق بالبرنامج النووي مع تزايد الخوف من التعاون بين السعودية والصين في المجال النووي.

تتجه المملكة العربية السعودية إلى تطوير برنامج نووي لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وقد نشرت مناقصات لبناء أول مفاعلين.


وفقًا لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يحق للسعودية استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. ومع ذلك، تعرب الولايات المتحدة عن قلقها من أن هذا البرنامج قد يصبح في المستقبل عسكريًا ويهدد الاحتكار النووي لطفلها المدلل - "إسرائيل".


لذلك فهي تضع شرطا يجب على السعودية بموجبه الامتناع عن تخصيب اليورانيوم في أراضيها، لكن السعودية رفضت قبول القيود في هذا المجال.

ذكرت تقارير إعلامية عالمية أنه تم اكتشاف منشأة في السعودية لاستخراج "الكعكة الصفراء" من معادن اليورانيوم الموجودة في أراضيها.


وقعت الصين والمملكة العربية السعودية عدة مذكرات تفاهم للتعاون في المجال النووي. وتوترت العلاقات بينهما تدريجيًا منذ عام 2012 مع افتتاح فرع للشركة النووية الوطنية الصينية.


في عام 2017، سافر وفد من وزارة الطاقة الذرية والطاقة المتجددة نيابة عن الملك عبد الله إلى الصين للدراسة والتدريب على مفاعلات الطاقة المبردة بالغاز.


تظهر الدراسات الأولية أن المملكة العربية السعودية لديها احتياطيات من اليورانيوم الخام تصل إلى 60 ألف طن. في عام 2019، صرح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان أن "السعودية ستمضي بحذر، سنحاول إنشاء مفاعلين في البداية ".


ووفقًا للدكتور مالي، إذا كان الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، فإن المملكة العربية السعودية ستفضل الصين بناءً على الخبرة السابقة في شراء الصواريخ.


ازداد قلق الولايات المتحدة بعد تصريح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2018 بأن المملكة ستمتلك قدرة نووية إذا فعلت إيران ذلك ودون تأخير.


كما أعلن وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، شقيق ولي العهد، في عام 2019 أن السعودية تسعى للسيطرة على جميع مكونات دائرة الوقود النووي.


بالإضافة إلى الأسئلة المذكورة، فإن التعاون الصيني السعودي في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو مصدر توتر آخر بين الرياض وواشنطن.

وقعت العديد من مؤسسات الدولة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك وزارات مثل وزارة الدفاع، اتفاقيات مع شركات صينية مثل هواوي، التي تخضع لعقوبات أمريكية.

تواصل الولايات المتحدة تحذير حلفائها من التعاون مع الصين في مجال تكنولوجيا الاتصالات.

إن احتياجات المملكة العربية السعودية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات هائلة في ظل طموحاتها للانتقال إلى العصر الرقمي.

 هل ستتمكن المملكة العربية السعودية من تهدئة مخاوف الولايات المتحدة؟ خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي بايدن إلى المملكة العربية السعودية، أعلن البلدان عن مشروع مشترك لتطوير تقنيات الاتصال من الجيل الخامس والسادس، بهدف إضعاف السيطرة على شركة هواوي الصينية.

ويرى المراقبون الأمريكيون أن هذه علامة على استعداد السعودية للحصول على هذه التكنولوجيا من الولايات المتحدة والدول الغربية بدلاً من الشركات الصينية.


المثلث الصيني السعودي الإيراني


ويشير الكاتب إلى أن إيران حاضرة في خلفية العلاقات الصينية السعودية كونها الشريك الثاني للصين في منطقة الخليج من جهة، وفي ضوء موقعها الاستراتيجي الهام على الخليج بحدود طولها 1500 كيلومتر من جهة أخرى.

 اتسمت العلاقات بين السعودية وإيران حتى الآن بالتوترات وصراعات القوى. كانت الحرب في اليمن مثالًا بارزًا للصراع بين البلدين؛ لذلك تدير الصين بعناية علاقتها المعقدة مع كلا البلدين وتحافظ على الحياد لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية وضمان عدم المساس بالوصول إلى موارد الطاقة المتنوعة.

يرجح أن يكون هذا هو الدافع وراء الوساطة الصينية بين السعودية وإيران التي انتهت بتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما.

العلاقة بين المملكة العربية السعودية والصين تحافظ على الزخم أقوى، وتمتلك السعودية بطاقات قوة في معادلة التفضيل بينها وبين إيران، فهي مصدر ضخم للطاقة وسوق استثماري واعد بالإضافة إلى دورها الريادي في مجلس التعاون الخليجي.

 ومع ذلك، فإن للصين اعتباراتها الخاصة لتبني سياسة "الدبلوماسية المتوازنة".


سياسة الواقعية السعودية


على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت آخر دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، إلا أن التعاون بين البلدين في العقود الثلاثة الماضية أصبح أكثر إحكامًا. إن تدفق النفط والموارد الطبيعية الأخرى مهم جدًا للاقتصاد الصيني.

 وعلى العكس من ذلك، تراجعت أهمية المملكة العربية السعودية كمصدر للطاقة بالنسبة للولايات المتحدة، واحتلت الصين مكان الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط للمملكة العربية السعودية.

هناك قضية أخرى تلعب دورًا في العلاقة بين المملكة العربية السعودية والصين، وهي الموقع الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية على البحر الأحمر، وهو طريق ملاحي رئيسي للتجارة بين الصين وأوروبا، وبالتالي جزء من طريق الحرير البحري الصيني.

السعودية من جانبها تحرص على استمرار تدفق عائداتها من صادرات النفط دون مشاكل. وهي تخشى أن تهدد العقوبات الغربية المفروضة عليها هذه الإيرادات.

كما تساور المملكة العربية السعودية شكوك بشأن استمرار الدولار كعملة مهيمنة على المدى البعيد.

الشراكة المزدهرة بين السعودية والصين تشمل مجالات حيوية، والسؤال المطروح هنا هو ما إذا كان هناك حد للتعاون السعودي الصيني، والذي إذا تم تجاوزه سيعتبر استفزازات في الولايات المتحدة؟

يقدر الكاتب أن المملكة العربية السعودية تتفهم هذا القيد. يشير إلى علاقاتها مع الصين بشكل رئيسي في الجانب الاقتصادي. لن تكون بكين قادرة على أداء دور الولايات المتحدة كداعم أمني للمملكة العربية السعودية.

باختصار، لا ترغب القيادة السعودية الجديدة في الاستمرار في الاعتماد كليًا على الولايات المتحدة، فهي تسعى جاهدة لتنويع ليس فقط اقتصادها ولكن أيضًا علاقاتها الأمنية في عالم سريع التغير.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023