مشروع تعويضات اليهود من الدول العربية
إعداد مركز حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية
نوفمبر - 2020
إن قضية التعويضات فيما يسمى أملاك اليهود في الدول العربية، أو أملاك اللاجئين اليهود في داخل الكيان الصهيوني، مسار استراتيجي بطيء اشتغلت عليه المؤسسة الإسرائيلية عبر مؤتمرات ومنظمات صهيونية مساندة والمنتشرة في العالم.
هذه الأطماع سبقها جهد مدني رسمي من قبل المنظمات الصهيونية وجهد تاريخي راسخ منذ عام 1951 في كثير من محافل ومؤتمرات الحركة الصهيونية حول الحقوق اليهودية التاريخية في الدول العربية، وبدعم رسمي من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن قيمة هذه الأملاك اليهودية قد تبلغ إلى ما يزيد عن 250 مليار دولار، بل وتحدثت "الحكومة الإسرائيلية" رسميا عن عشر دول في هذا السياق، هي: الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، العراق، سورية، لبنان، اليمن، وكذلك دولة غير عربية وهي إيران.. فيما حاولت مرار تجاوز الحديث عن السعودية لما للأمر من أبعاد تاريخية قديمة ومؤثرة.. مع أنها ذكرت في إحدى الوثائق البحثية غير المتبناة رسميا بما مجموعه 100 مليار دولار.
ومع هذا لم تتوقف يوما أطماع اليهود، في المملكة العربية السعودية وخصوصا في تيماء وخيبر والمدينة المنورة تحديدا، ففي 30 من يوليو 2018 نشر موقع الكونغرس اليهودي WJC فيديو مترجما باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية أظهر فيه الأماكن اليهودية التي كانت للشعب اليهودي في الجزيرة العربية والمدينة المنورة، والتي اعتبرها مأهولة بالقبائل اليهودية المتنفذة، وظلت آثار الحضور اليهودي فيها محفوظة بالذاكرة لقرون.. في إشارة ضمنية منهجية لنداء قديم بالعودة، وقد نقلت هذا الفيديو وكالة الأنباء الإسرائيلية "إسرائيل بالعربية" متبنية في ذلك هذا الطرح.. (1) (2)
وخلال محادثات السلام في كامب ديفيد عام 2000، أعلن الرئيس الأمريكي بل كلينتون أنه في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فسيتم إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين العرب واللاجئين اليهود من الدول العربية على حد سواء.
وتبنى الكونغرس الأمريكي رؤية كلينتون، ووضع اقتراحه على شكل قرار في أبريل من عام 2008، ضمن قرار يقضي "بوجوب الاعتراف باللاجئين اليهود كلاجئين بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي وجوب إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين اليهود والفلسطينيين عن فقدان ممتلكاتهم، كما وقضى قرار مجلس النواب الأمريكي هذا والذي عُرف بقرار مجلس النواب رقم 185، بـ " عدم حل قضية لاجئين واحدة دون حل مشكلة اللاجئين الثانية في الوقت نفسه.. واستخدام النفوذ الأمريكي لضمان أن قرارات اللاجئين في الشرق الأوسط يجب أن تتضمن أيضا إشارة صريحة مماثلة إلى حل قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية." (3)
وبناء على سياسة قانونية داعمة للمشروع الصهيوني، فقد تبع القرار الأمريكي سنّ الكنيست الإسرائيلي في أبريل من العام 2010، قانونا " يُلزم بأن تشمل أية مفاوضات سلام موضوع "التعويض عن فقدان أملاك للاجئين والجاليات اليهودية التي خرجت من الدول العربية وإيران".*، حيث قالتوزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية "غيلا غمليئيل" في كلمتها في جلسة الكنيست تعقيبا على القرار: " أنه حان الوقت لتصحيح الغبن التاريخي، المتمثل بالاعتداءات في الدول العربية وإيران، وإعادة لمئات آلاف اليهود الذين فقدوا أملاكهم ما يستحقونه.. ولا يمكن التحدث عن الشرق الأوسط من دون أن يؤخذ بالحسبان حقوق اليهود الذين اضطروا إلى ترك جاليتهم المزدهرة في ظل العنف.. وينبغي الاعتراف بكافة الجرائم التي ارتكبت ضد الجاليات اليهودية"، ومن ثم قرر الكنيست الإسرائيلي اختيار يوم 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، كذكرى سنوية لإحياء مأساة ومظلومية «مغادرة وطرد اليهود من الدول العربية».
وخلال مؤتمر دولي حول العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية" يوم 11 من سبتمبر 2012م ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو" كلمة قال فيها:” لقد آن الأوان لوضع قضية اللاجئين اليهود مرة أخرى على الخارطة، وقد يعتقد البعض أننا نتمادى.. ولكن عندما يتم الحديث عن العملية السلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن قضية اللاجئين تشير فقط إلى الفلسطينيين بينما تم نسيان 850 ألف لاجئ يهودي طردوا من الدول العربية.. ولكن اسرائيل لن تنساهم.. “، كما صرح كذلك "دان دايكر" رئيس الكونغرس اليهودي العالمي: "إن قضية اللاجئين اليهود ليست قضية إسرائيلية، وإنما قضية يهودية"، وقد أشاد دايكر بعمل الحكومة الإسرائيلية وأكد" أنه يعمل معها يدا بيد مع المنظمات اليهودية من أجل دفع حقوق اللاجئين اليهود".
وعلى هذا الأساس التشريعي وضعت الخارجية الإسرائيلية مشروعا دبلوماسيا حول (اللاجئون اليهود من البلدان العربية والإسلامية)، رسمت فيه الخطوط العريضة تاريخيا، وقانونيا، وتوصيات للساسة الإسرائيليين لمستقبل أي اتفاق إسرائيلي فلسطيني، وأي اتفاق إسرائيلي عربي، ومن ضمنها:
ومن هذا المنطلق تم تسخير جميع طاقات والأدوات الناعمة إسرائيليا، من السفارات والبعثات الدبلوماسية، مرورا بالمؤتمر اليهودي الأمريكي (The American Jewish Congress) ، وكذلك اللجنة اليهودية الأمريكية (American Jewish Committee) والكونغرس اليهودي الأوروبي، والكونغرس اليهودي الدولي ( AJW) ، لحشد التجمعات الاحتجاجية، وبث الدعاية الإعلامية حول تشكيل نظرية "مظلومية اليهود التاريخية في الدول العربية"، و كما وتأسست على أساس ذلك "المنظمة العالمية لليهود المنحدرين من البلدان العربية" (WOJAC)، ومنظمة العدالة لليهود من الدول العربية (JJAC)، والتي تُعنى بـ :
أ. تمثيل مصالح اليهود من الدول العربية.
ب. الاعتراف بإرث اللاجئين اليهود من الدول العربية.
ج. تسجيل وتسجيل شهادات شخصية لليهود من الدول العربية، حفاظاً على تاريخهم وتراثهم.
د. العمل كمركز لتبادل المعلومات والوثائق بشأن اللاجئين اليهود من البلدان العربية.
هـ. تنفيذ برامج تثقيف عامة توفر منظوراً تاريخياً، سعياً وراء الحقيقة والعدالة والمصلحة. (5)
وفي عام 2005 في القدس، دعا البروفيسور "هنري غرين" علماء يهود آخرين للانضمام إلى في إطلاق مشروع أسماه "النزوح المنسي"، والذي يهدف لجمع شهادات تاريخية لعوائل يهودية تم تهجيرها من الدول العربية لتشكيل رؤية بحثية وثقافية ضاغطة إلى جانب المسار السياسي والقانوني والتشريعي، ومن ثم أنشأت منظمة "صوت السفارديم الدولية" في عام 2009، لتعزيز إرث اليهود من الأراضي العربية والإسلامية وإعادة صياغة رواية التاريخ اليهودي والصهيونية - لتكون منصة رسالة "صوت سفاردي". (6)
وفي 15 / 1 / 2020 دشنت في المكتبة الوطنية الإسرائيلية مشروع الأرشيف اليهودي الذي يوثق عبر الفيديو حياة اليهود في الدول العربية، وعقد اتفاقية شراكة مع منظمة "صوت سفاردي"، لتصبح منظمة مدنية معترف بها من الحكومة الإسرائيلية.
ومؤخرا وبعد قمة البحرين 2019 والتي تحدثت عن مشروع (المال مقابل السلام)، من ضمن ما يسمى "صفقة القرن" ، والتي اعتقد البعض أن تغير الإدارة الأمريكية مبدأيا، قد يُغيّر بعض ملامحها المتطرفة في الفترة القادمة، ولكنه في الحقيقة ستندفع وبلا شك نحو منهجية لذات السياسة والأفكار ولكن عبر القوة الأمريكية الناعمة، ومن خلال استثمار مناخات التقارب العربي الخليجي مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة جدا في الدول الحاضنة للعدد الأكبر للاجئين الفلسطينيين، ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية نحو الدفع بمبدأ التعويض المالي، والذي قد يكون باتجاه ثنائي، جزء فيه للاجئين الفلسطينيين، والآخر منه لما يطلق عليهم اللاجئون اليهود من الدول العربية في "إسرائيل".
في ظل تعالٍ لأصوات نشاز لا تُعبّر عن وجدان الشعوب العربية، والتي تطالب بإنهاء هذا الصراع التاريخي بين العرب والكيان الصهيوني نحو ما يسمى مسار السلام والتسوية النهائية تحت عناوين (التعويض والتنمية والتوطين) ، وفي منهجية تصاعدية لاتفاقات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والتي قد تمتد في قابل الأيام لتشمل دولا عربية شتى من المحيط إلى الخليج، وقد نرى من ضمنها دول مما يسمى "محور المقاومة"، واستغلال لحالة فلسطينية منقسمة بين الكل الفلسطيني الرافض لمسار التسوية والتوطين جُملة وتفصيلا والاندماج مع خيار المقاومة، والجزء الأقل منه المتحكم في المصير الفلسطيني الدافع به نحو التيه في المجهول.. مما يفرض على الكل العربي والفلسطيني الانتباه للمرحلة القادمة، فمن خلف هذا العنوان الكبير قد تضيع حقوق فلسطينية تاريخية، وقد يتم التدخل الإسرائيلي المباشر في الشؤون العربية الداخلية، والسيطرة على ثرواتها وقرارها.
..............................................
المراجع :
https://twitter.com/IsraelArabic/status/1023916694111219713?s=20
3 – نص قرار الكونغرس الأمريكي 185 / 2008:
https://www.congress.gov/bill/110th-congress/house-resolution/185
4 – رابط دراسة موقع وزارة الخارجية الاسرائيلي:
5- مبادئ منظمة العدالة لليهود من الدول العربية (JJAC)
http://www.justiceforjews.com/mission.html
6 – موقع "منظمة صوت سفاردي"
https://sephardivoices.com/category/newsletters/newsletter-1/